في عام 1995 قدم الممثل الأسترالي الأمريكي ميل جيبسون "مواليد 1956" فيلمه "قلب شجاع" الذي أخرجه وانتجه وادي دور البطولة فيه. وحقق نجاحاً تجارياً ونقدياً كبيراً. وقتئذ لم يكن كثيرون من عشاق هذا الممثل يعرفون اسم البطل الاسكتلندي ويليام والاس "1270 - 1305" وهو أحد أبطال العصور الوسطي. الذي قاتل الانجليز بجيش من عامة الشعب إبان حكم الملك إدوارد الأول "1929 - 1307". ولم يكن أحد قد سمع بالقانون اللااخلاقي الجائر الذي فرضه الانجليز علي الشعب الاسكتلندي حينئذ ذلك الذي يمنح النبلاء البريطانيين "حق الليلة الأولي" وهو حق كلفه القانون للدخول بأي عروس من أهل البلاد قبل أن يدخل بها الزوج. والأمر الذي استغله المؤلف "راندال والاس" في تفجير حالات الغضب ضد الحكم الاستعماري الانجليزي الباطش في المشاهد الأولي من الفيلم. الفيلم يحتفي بقيمة "الحرية" التي اغتالها الانجليز عنوة واستخدام منطق القوة. يلعب ميل جيبسون دور ويليام ولاس بتكوينه الجثماني. وهيئته التي تفي بمقومات الزعامة وأدائه المقنع كمقاتل وفارس شجاع ثابت القلب. لا يهاب القوة. والفيلم يصور المعركة الشهيرة "جسر سترلينج" التي حدثت بالقرب من جسر المدينة الذي كان حاضراً كعلامة بارزة في المدينة الاسكتلندية التي تحمل نفس الاسم. وقد اعتمد الكاتب علي ما يجود به الخيال الخلاق لبعث هذه المرحلة في التاريخ من خلال أدوات القتال وتصميمات الملابس وبعث وروح المكان والزمان والتقاليد الشائعة في تلك الفترة وصورة البطل ويليام وأسلوبه في إيقاظ حماس المقاتلين من العامة بصوته ولغته وأدائه وإيمانه المطلق بالحرية "فالانجليز قد يأخذون حياتنا ولكنهم أبداً لم يأخذوا حريتنا" هذه المعركة التي صورها الفيلم بلغة بصرية وزخم شعوري وحس تشكيلي ويشحن المشاهد بالحرارة والحماس والحركة المتدفقة السريعة.. الخ العناصر التي بمقدورها أن تحول البطل الخارج من رحم الشعب الاسكتلندي إلي أسطورة وأيقونة للحرية: "عليكم أن تحاربوا كرجال أحرار.. وأنتم بالفعل أحرار.. ماذا تفعلون من دون حرية؟؟" في الفيلم يمزج ميل جيبسون بين الدراما الملحمية التاريخية البطولية لمقاتل لم ينحن رغم بشاعة التعذيب التي تعرض له قبل إعدامه والتمثيل بجثته بوحشية تتفوق علي وحشية داعش حتي يطلب الرحمة ولكي تنطفي شرارة الثورة وروح الثائر داخله ويسير عبرة لأي متمرد يحاول الثورة. بين الملحمة وبين قصة الحب العذبة التي تتعرض فيها الحبيبة "صوفي مارسو" للاغتصاب والموت ومن ثم الغضب والانتقام لقتلها. يشيع ميل جيبسون في الفيلم روح الإيمان المسيحي اليقظ من خلال التفاصيل الصغيرة في استخدام علامة الصليب في العربة التي حملت "والاس" للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمي. ونفس العلامة رافقت جثته وكأنه المسيح يصلب من جديد. لقد استطاع "والاس" هزيمة الانجليز بجيش صغير مستخدماً الحنكة والجسارة والقلب الشجاع وامتلاك ما هو ضروري لقيادة الرجال في المعركة.. فجسد صورة البطل التراجيدي.. الذي مني بهزيمة في النهاية من خلال معركة ضارية ليست متكافئة استعد لها الانجليز حتي يجتثوا فكرة "الثورة" ولكن الفيلم المتخيل عن سيرة البطل ودوره أعاد التذكير بمشاعر الفخر والإعزاز التي جعلت "والاس" يسكن الذاكرة الشعبية ويجعل تمثاله رمزاً وطنياً. وبعد مئات السنين من إعدامه واستغلال اسكتلندا لايزال ويليام والاس حياً. ** حصل ميل جيبسون علي جائزة الأوسكار لأفضل مخرج وجائزة أفضل فيلم عن "قلب شجاع" وهو حاصل علي "وسام ضابط" من استراليا.. ومن يراجع قائمة أعماله كممثل ومخرج ومنتج يتوقف أمام عناوين لأفلام محترمة وقوية موضوعياً وفنياً مثل "آلام المسيح" "2004" "نظرية المؤامرة" "1987" "السلاح القاتل" "1980" "المرتزقة 3" 2014. ومن المعلومات الشخصية التي لا تخلو من دلالة أنه أب لثماني أبناء وله أحد عشر "11" أخاً.