ليس لدينا حتي الآن ما يبرئ إيران من التهمة الموجهة إليها بمحاولة اغتيال سفير السعودية في واشنطن عادل الجبير.. وليس لدينا أيضا ما يدينها طبقا لما تنشره الصحف الأمريكية ذاتها التي تصر علي وصف العملية بأنها "مؤامرة مزعومة".. وتقول ان الأدلة المطروحة غير كافية. وحين تستوفي الإدارة الأمريكية الأدلة القاطعة.. وتعلنها علي الملأ فلابد أن تكون الخطوة الحاسمة هي محاكمة المتهمين اللذين تم ضبطهما.. فإذا أدينا فإن العالم كله يجب أن يقف في وجه ايران لمنعها من ممارسة أية مخططات إرهابية. لكن الواضح الآن إن الإدارة الأمريكية تسابق الزمن لتأجيج الصراع بين السعودية وإيران.. وأخشي ما نخشاه أن يكون هناك تخطيط جديد لإشعال الحرب في الخليج مرة أخري.. وإلهاء المنطقة العربية بهذا السيناريو وتداعياته لفك الحصار المضروب حاليا حول اسرائيل. يدعم هذه الخشية ويغذيها ان اسرائيل ذاتها دخلت علي الخط ولعبت نفس اللعبة بنفس السيناريو.. حيث ذكر راديو صوت اسرائيل أمس الأول نقلا عن مصادر مطلعة لم يكشف عنها ان أحمد عبدالعزيز القطان سفير السعودية في القاهرة تعرض هو الآخر لمحاولة اغتيال بالسم وتم انقاذه بإخراج السم من جسمه.. واتهم الراديو إيران بتدبير المحاولة لكنه لم يشر إلي موعد تنفيذها. وحملت صحيفة "الأخبار" أمس نفي السفير السعودي تعرضه لهذه المحاولة المزعومة.. وصرح للأخبار بأن "الخبر عار من الصحة". وقد نشرت صحيفة "المصري اليوم" في عدد الجمعة الماضية علي لسان خبراء امنيين ومتخصصين في شئون الإرهاب ان محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن وتدمير السفارتين الاسرائيلية والسعودية بالعاصمة الأمريكية والمعروفة باسم "عملية شيفروليه" تعبر عن سذاجة.. بالنظر إلي بدائية التخطيط لها.. مرجحين أن يكون من خطط لذلك عناصر منشقة عن الحرس الثوري الايراني.. ومؤكدين ان السيناريو الذي كشفت عنه الإدارة الأمريكية لا يطابق أسلوب جهاز المخابرات الإيراني المحترف. وفي الوقت ذاته شككت صحف أمريكية وبريطانية كبري في الاتهام الموجه إلي إيران.. وشبهته بالاتهام الأمريكي الساذج لنظام صدام حسين في العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل عام 2003 محذرة من خطورة ذلك في جر المنطقة لحرب جديدة. قالت مجلة "نيوزويك" الأمريكية انه لا توجد حتي الآن أدلة دامغة تدين ايران.. وقالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية ان هذه المزاعم إذا لم تعالج بالطريقة الصحيحة فإنها قد تتسبب في مشكلات جدية ليس فقط داخل الولاياتالمتحدة لكن في منطقة الشرق الأوسط برمتها.. واختتمت الصحيفة بالقول "إن آخر شيء تحتاجه منطقة الشرق الأوسط المضطربة أصلا هو احتمال نشوب حرب جديدة فيها". أما مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية فقد ذكرت ان حرب الخليج الباردة بين طهران والرياض تنتقل إلي صفيح ساخن.. فالدولتان علي خلاف منذ الثورة الايرانية عام 1979 وازداد النزاع بينهما في أعقاب الربيع العربي.. حيث باتت المنافسة تشتعل بينهما علي الهيمنة علي أسواق الطاقة العالمية والتكنولوجيا النووية والتأثير السياسي علي منطقة الخليج. وأضافت المجلة ان ايران والسعودية ليستا عدوتين ولا حليفتين.. لكنهما متنافستان علي انتاج النفط فضلا عن محاولتهما الدفاع عن الشيعة والسنة.. وسوف تناضل كل منهما من أجل توسيع نفوذها في المنطقة.. وعلي الولاياتالمتحدة تشجيعهما علي التعاون وتقليل حدة التوتر.. وإذا لم تتجنب واشنطن سياسة الانحياز إلي طرف دون الآخر وإذا لم تتمكن من إيجاد حل لفض النزاع بين الدولتين فإن الحرب الباردة بين طهران والرياض ستجرف المنطقة بعيدا عن الديمقراطية مما سيهدد الربيع العربي. وقالت صحيفة "جارديان" البريطانية انه أيا كان من يقف وراء مؤامرة واشنطن فإنه كان علي استعداد لإشعال حرب في الشرق الأوسط.. المنطقة تقف بالفعل علي شفا صراع عسكري بسبب البرنامج النووي الايراني.. وقلق اسرائيل المتزايد خوفا من أن تمتلك طهران القدرة علي صنع أسلحة نووية. إيران من جانبها تنفي الاتهامات الأمريكية.. وقدمت شكوي إلي مجلس الأمن تقول فيها ان أمريكا تروج للحرب لأسباب سياسية.. وعلي الجانب الآخر قدمت السعودية شكوي ضد إيران إلي الأممالمتحدة.. بينما تسعي إدارة أوباما إلي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لإقناعها باتخاذ عقوبات ضد إيران لزيادة عزلتها دوليا. إلي أين ستصل المعركة.. وإلي متي ستظل الحرب باردة؟! .. الله وحده أعلم.. الذي نعلمه جيدا اننا لسنا في حاجة إلي فتنة جديدة وحرب جديدة المنتصر فيها مهزوم.. ويقيننا ان السعودية وإيران لديهما من الحكمة وبعد النظر ما يطمئن قلوبنا الخائفة.. ولدي الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي فرصة كافية لإصلاح ذات البين.