أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر تواجه الإرهاب دفاعاً عن مستقبل المجتمع الدولي بأسره وأنه لا مجال لحديث جدي عن مصداقية نظام دولي يكيل بمكيالين حيث يحارب الإرهاب ثم يتسامح مع داعميه ويشركهم في نقاشات حول مواجهة خطر هم صناعه. فيما يلي نصها كاملة : السيدات والسادة السيد الرئيس/ ميروسلاف لايتشيك رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة يسعدني ابتداءً أن أتقدم لكم بالتهنئة علي توليكم رئاسة الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة متمنياً لكم كل التوفيق في مهمتكم. كما أنتهز هذه المناسبة لأعرب عن خالص التقدير للسيد "بيتر تومسون" رئيس الدورة السابقة للجمعية العامة والذي أدار أعمالها بكفاءة واقتدار. السيد الرئيس كلما نجتمع في هذا المحفل الهام تتجدد آمال الشعوب التي نَشرُف بحمل أمانة تمثيلها والدفاع عن مصالحها في الحصول علي حقها العادل في السلام والتنمية. وتتطلع إلينا أجيالى جديدة تحلم بفرصة العيش الكريم في ظل منظومة دولية عادلة وقادرة علي مواجهة تحديات فرضتها الطبيعة كتغير المناخ والكوارث الطبيعية والأمراض والأوبئة وأخري من صنع البشر كالحروب والإرهاب والتفاوت الصارخ في توزيع الموارد وفرص النمو وثماره. ومن المؤكد أن أهداف ومقاصد الأممالمتحدة لا تزال صالحة لتأسيس عالم يتيح لكل أبنائه فرصة الاستفادة من منجزات التقدم العلمي والاقتصادي وثورة الاتصالات التي ربطت بين مجتمعات العالم علي نحو غير مسبوق في التاريخ الإنساني وما تحمله من إمكانات عظيمة لتحقيق حلم النظام الدولي العادل والآمن والملتزم بحقوق التنمية والحرية والتقدم والتواصل المفتوح بين البشر. إننا في مصر لدينا إيمان عميق بقيم منظمة الأممالمتحدة وأهداف ميثاقها ولدينا ثقة كبيرة في أن تحقيق هذه القيم أمرى ممكن بل واجبى وضروري. وتشهد تجربة مصر الطويلة مع الأممالمتحدة -كإحدي الدول المؤسِّسة لهذه المنظمة والتي تم انتخابها عضواً بمجلس الأمن لست مرات وتُعد سابع أكبر مساهم في عمليات حفظ السلام الأممية حالياً علي مستوي العالم - تشهد هذه التجربة الطويلة أننا نسعي طوال الوقت لتحقيق ما نؤمن به من شراكة أممية لبناء عالم يستجيب لطموحات أبنائنا وأحفادنا في الحرية والكرامة والأمن والرفاهية. ولكن فإن المسئولية التي نتحملها تقتضي منا أن نتصارح بأن هذا العالم المنشود والممكن لازال بكل أسف بعيداً كل البعد عن التحقق. وأننا لا نزال نعاني من العجز عن احتواء ومنع الصراعات المسلحة ومواجهة خطر الإرهاب ونزع السلاح النووي ومعالجة مكامن الخلل الكبري في النظام الاقتصادي العالمي والتي أفضت إلي زيادة الفجوة بين العالمين المتقدم والنامي. ومن واقع تجربة المنطقتين العربية والإفريقية أستطيع أن أقرر بضمير مطمئن أن تلك التجربة تلخص أزمة النظام العالمي وعجزه عن الوفاء بالمقاصد والغايات التي قامت من أجلها الأممالمتحدة. فالمنطقة العربية محيط مصر الحضاري والثقافي باتت اليوم بؤرةً لبعض أشد الحروب الأهلية ضراوة في التاريخ الإنساني الحديث. وأصبحت هذه المنطقة هي الأكثر تعرضاً لخطر الإرهاب وبات واحدى من كل ثلاثة لاجئين في العالم عربياً كما أصبح البحر المتوسط مركزاً للهجرة غير الشرعية من الدول الأفريقية والآسيوية فراراً من بَطش الاقتتال الأهلي من جهة وبؤس الظروف الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخري والتي رصدها التقرير العربي الإقليمي حول الفقر متعدد الأبعاد الذي أعدته جامعة الدول العربية بالتنسيق مع الأممالمتحدة والذي سيتم إطلاقه غداً. وتقع أفريقياً موقع القلب في السياسة الخارجية لمصر فهي القارة الأم التي تضرب فيها الجذور المصرية بعمق التاريخ ونستمد منها اعتزازنا بهويتنا وانتمائنا الأصيل لها. وقد باتت أفريقيا عُرضةَ لنفس الأخطار الأمنية التي تتعرض لها المنطقة العربية وتظل بدورها شاهداً رئيسياً علي أزمة النظام الاقتصادي العالمي الذي يكرس الفقر والتفاوت ويتحمل مسئولية رئيسية عن إنتاج الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تهدد الاستقرار والسلم الدوليين وتجعل من الحديث عن أهداف التنمية المستدامة مجرد حديث مُرسل لا شاهد عليه من الواقع الدولي المؤسف. مصر إذن سيدي الرئيس تقع علي حافة أخطر بؤر الأزمات في العالم.. وقَدَرُها أن تشق طريقَها بثقة في ظل مخاطر غير مسبوقة متبنيةً استراتيجية تنموية طموحة تقوم علي إصلاحات اقتصادية جذرية وشجاعة تهدف قبل كل شيء لتمكين جيل الشباب الذين يمثلون غالبية السكان ليس في مصر وحدها وإنما في أغلب المجتمعات الفتية في الدول العربية والعالم النامي. وفي عالم متشابك ومعقد ومليء بتحديات يصعب أن تواجهها أي دولة منفردة مهما كانت قدراتها ومهما اشتد عزمها فإنه من الطبيعي أن تقترِن خطة مصر التنموية الطموحة بسياسة خارجية نشطة تستلهم المبادئ الأخلاقية الراسخة في تراثنا وثقافتنا وتلتزم بالمبادئ القانونية للنظام العالمي الذي شاركت مصر في تأسيسه وتقوم علي رؤية لمواجهة أوجه القصور التي حالت دون تنفيذ مقاصد وغايات الأممالمتحدة وذلك من خلال خمسة مبادئ وأولويات أساسية هي: أولاً: إن المخرج الوحيد الممكن من الأزمات التي تعاني منها المنطقة العربية هو التمسك بإصرار بمشروع الدولة الوطنية الحديثة التي تقوم علي مبادئ المواطنة والمساواة وسيادة القانون وحقوق الانسان وتتجاوز بحسم محاولات الارتداد للولاءات المذهبية أو الطائفية أو العرقية أو القَبَلية.. إنّ طريقَ الإصلاح يمر بالضرورة عبر الدولة الوطنية ولا يمكن أن يتم علي أنقاضها. هذا المبدأ هو باختصار جوهر سياسة مصر الخارجية وهو الأساس الذي نبني عليه مواقفنا لمعالجة الأزمات الممتدة في المنطقة. فلا خلاص في سوريا الشقيقة إلا من خلال حل سياسي يتوافق عليه جميع السوريين ويكون جوهره الحفاظ علي وحدة الدولة السورية وصيانة مؤسساتها وتوسيع قاعدتها الاجتماعية والسياسية لتشمل كل أطياف المجتمع السوري ومواجهة الإرهاب بحسم حتي القضاء عليه.. والطريق لتحقيق هذا الحل هو المفاوضات التي تقودها الأممالمتحدة والتي تدعمها مصر بنفس القوة التي ترفض بها أية محاولة لاستغلال المحنة التي تعيشها سوريا لبناء مواطئ نفوذ سياسية إقليمية أو دولية أو تنفيذ سياسات تخريبية لأطراف إقليمية طالما عانت منطقتنا في السنوات الأخيرة من ممارساتها وقد آن الأوان لمواجهة حاسمة ونهائية معها. بالمثل فلا حل في ليبيا إلا بالتسوية السياسية التي تواجه محاولات تفتيت الدولة وتحويلها مرتعاً للصراعات القَبَلية ومسرح عمليات للتنظيمات الإرهابية وتجار السلاح والبشر.. وأؤكد هنا بمنتهي الوضوح أن مصر لن تسمح باستمرار محاولات العبث بوحدة وسلامة الدولة الليبية أو المناورة بمقدرات الشعب الليبي الشقيق وسنستمر في العمل المكثف مع الأممالمتحدة لتحقيق التسوية السياسية المبنية علي اتفاق الصخيرات والتي تستلهم المقترحات التي توصل لها الليبيون خلال اجتماعاتهم المتتالية في الأشهر الأخيرة في القاهرة للخروج من حالة الانسداد السياسي وإحياء مسار التسوية في هذا البلد الشقيق. وينطبق نفس المنطق علي المقاربة المصرية للأزمات في العراق واليمن. فالدولة الوطنية الحديثة الموحدة والقادرة والعادلة هي الطريق لتجاوز الأزمات وتحقيق الطموحات المشروعة للشعوب العربية. ثانياً: إن الوقت قد حان لمعالجة شاملة ونهائية لأقدم الجروح الغائرة في منطقتنا العربية وهي القضية الفلسطينية التي باتت الشاهد الأكبر علي قصور النظام العالمي عن تطبيق سلسلة طويلة من قرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن.. إن إغلاق هذا الملف من خلال تسوية عادلة تقوم علي الأسس والمرجعيات الدولية وتنشئ الدولة الفلسطينية المستقلة علي حدود عام 1967 وعاصمتها القدسالشرقية هو الشرط الضروري للانتقال بالمنطقة كلها إلي مرحلة الاستقرار والتنمية والمحك الأساسي لاستعادة مصداقية الأممالمتحدة والنظام العالمي.. ولا شك أن تحقيق السلام من شأنه أن ينزع عن الإرهاب إحدي الذرائع الرئيسية التي طالما استغلها كي يبرر تفشيه في المنطقة وبما يضمن لكافة شعوب المنطقة العيش في أمان وسلام.. فقد آن الآوان لكسر ما تبقي من جدار الكراهية والحقد للأبد ويهمني أن أؤكد هنا أن يدَ العرب ما زالت ممدودة بالسلام وأن تجربة مصر تثبت أن هذا السلام ممكن وأنه يعد هدفاً واقعياً يجب علينا جميعاً مواصلة السعي بجدية لتحقيقه.