إذا كان الاعتداء علي مبادئ وثوابت الدين الإسلامي من بلد يدين بهذا الدين الحنيف فلا يجوز لهذا البلد أن يفرض رأيه علي جموع المسلمين في انحاء العالم والذين يزيد تعدادهم علي مليار ونصف المليار مسلم.. فهو ليس خلافا داخليا علي أمر من أمور الحياة اليومية ولكنه خلافا علي ثوابت الدين. ومع اعتزازنا وتقديرنا للإخوة التوانسة باعتبارهم يدينون بدين الإسلام وكأشقاء في العروبة فإن جمهور المسلمين يرفضون تصريحات برهان بسيس القيادي في حركة نداء تونس حول مقترحات الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بمنح المرأة حق المساواة مع الرجل في الميراث وحق زواجها من غير المسلم. قال برهان بسيس إنه من المفيد التذكير بأن نقاشنا التونسي الداخلي يظل ظاهرة صحية ومطلوبة مهما بلغ حجم اختلافنا تجاه قضايا مثيرة للجدل مثل المساواة في الإرث أو زواج المسلمة بغير المسلم!! اضاف بسيس: علينا تحصين أجواء الجدل الفكري والثقافي بيننا كتونسيين من أي تشويش خارجي فقط عن طريق جعلها رفيعة المستوي راقية المضامين لا تقع مهما بلغ الاختلاف فيها في مصيدة التكفير المتبادل.. محافظون يكفرون غيرهم دينيا.. وحداثيون يكفرون غيرهم مديناً. من جهة أخري أصدر ديوان الافتاء في تونس بيانا ساند فيه قترحات الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي مستدلا بقوله تعالي: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" فضلا عن المواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس والتي تعمل علي إزالة الفوارق في الحقوق بين الجنسين. كان فضيلة الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف قد رد علي دعوة الرئيس التونسي مؤكدا أن المواريث مقسمة بآيات قطعية الدلالة لا تحمل الاجتهاد ولا تتغير بتغيير الأحوال والزمان والمكان.. وهي من الموضعات القليلة التي وردت في كتاب الله مفصلة لا مجملة. وكلها في سورة النساء.. وهو ما أجمع عليه الفقهاء قديما وحديثا. أما المطالبة بإباحة زواج المسلمة من غير المسلم فليست كما يظن أصحابها في مصلحة المرأة لأنه يفتقد المودة والسكن من الزواج كما يقول الدكتور عباس شومان فإن غير المسلم لا يؤمن بدين المسلمة ولا يمكن زوجته من أداء شعائر دينها فتبغضه ولا تستقر الزوجية بينهما.. بخلاف زواج المسلم من الكتابية لأن المسلم يؤمن بدينها وبالرسول الذي ارسله الله إلي قومها. وهو مأمور من قبل شريعة الإسلام بتمكين زوجته من أداء شعائر دينها فلا تبغضه وتستقر الزوجية بينهما. واختتم الدكتور عباس شومان تصريحه بقوله: إن تدخل غير العلماء المدركين لحقيقة الأحكام من حيث القطعية التي لا تقبل الاجتهاد ولا تتغير بتغير الزمان والمكان وبين الظن الذي يقبل هذا الاجتهاد هو من التبديل وليس التجديد. إننا نرد علي تصريحات القيادي بحركة نداء تونس بأن مقترحات الرئيس التونسي لا تهم شعب تونس فقط.. وإنما تهم جموع المسلمين في العالم. فنقاش التونسيين حول الأحكام القطعية في الدين الإسلامي ليس خاصا بشعب تونس فقط.. وإنما هو حق لكل مسلم علي ظهر البسيطة يصلح ما أعوج من التفكير ومن حقه أن يخالف الرئيس الباجي قايد السبسي في رأيه الذي طرحه ويصوبه التصويب الصحيح. فالرجل بنص قرآني صريح يرث ضعف الانثي في آيتين كريمتين في سورة النساء "فللذكر مثل حظ الانثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم".. وفي آية أخري كريمة قال سبحانه: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين".. فالمعني هنا واضح وجلي لكل تفكير قويم. أما ما استدل به ديوان الافتاء في تونس وساند به الرئيس التونسي من قوله تعالي: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" بأن من حق المرأة أن تتساوي في الميراث مع الرجل.. فإن ديوان الافتاء لم يكمل بقية الآية "وللرجال عليهن درجة". قال العلامة الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" إنه لا يستقيم معني المماثلة في سائر الأحوال والحقوق أجناسا أو أنواعا أو أشخاصا لان مقتضي الشريعة: التخالف بين كثير من أحوال الرجال والنساء في نظام العمران والمعاشرة.. فلا يتوهم أن تنظف المرأة بيت زوجها وان تجهز طعامه انه يجب عليه مثل ذلك... كما لا يتوهم أنه كما يجب عليه الانفاق علي امرأته انه يجب عليها الانفاق علي زوجها.. وكما تحتضن المرأة ولد زوجها فإن عليه في المقابل أن يتعهد بتعليمه وتهذيبه. وبهذا أفتي فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي عندما قال إن توزيع المسئوليات علي حسب المجال.. للرجل مجال وللمرأة مجال. نخلص من هذا أن تفسير مبادئ الدين الإسلامي ليس شأنا من شئون التونسيين أنفسهم وحدهم وعلي ذلك لا يحق لأي مسلم أن يقحم نفسه فيه.. انها ثوابت الدين عندما ينالها الآخرون بالتحريف وعلي جموع المسلمين أن يردوهم عن تفسيرهم الخاطئ. إننا يا سيادة الرئيس التونسي مع تقديرنا لشخصكم الكريم واعتزازنا بالإخوة التونسيين كأشقاء لا نريد لمثل هذه الفتاوي والتفسيرات ان تشجع التكفيريين والإرهابيين علي القيام بأعمالهم الإرهابية تحت مظلة انهم يدافعون عن الدين الإسلامي فيكفي ما عاناه المسلمون وأولهم الشعب التونسي الشقيق من تشدد وإرهاب.. وكفي الله المؤمنين القتال.