علي مدي 65 عاماً كلما مر يوم 23 يوليو تقفز إلي الذاكرة أحداث هذا اليوم المجيد في حياة أهلنا المصريين في كل ربوع هذا الوطن الحبيب.. مجتمع النصف في المائة أرهقه الاقطاع بأساليبه التي تعتمد علي نهب حقوق الفقراء. الجشع والطمع يسيطر علي هؤلاء الاقطاعيين.. أسماء كان لها رنين في هذه الفترة الحالكة من الظلام واختفاء أضواء الحرية لازالت الأحداث والوقائع التي شهدتها أرضنا الطيبة الفلاح حقوقه مهدرة الشباب يعاني من الفقر والحرمان حتي من الحرية أبسط الحقوق. لازالت الذكريات الأليمة تتداعي إلي الذهن لعل من أهمها ما ذكره أحد أساتذتنا في التعليم المشهود لهم بالكفاءة والاعتدال. يقول: خلال فترة الصيف خرجت مع ثلاثة من الزملاء وبينما نحن نسير بالطريق إذا بشاب من أبناء أحد الاقطاعيين يتقدم نحو أحد الرفقاء ويقوم بتمزيق جلبابه الأبيض بحركة هستيرية وكبرياء أذهلنا جميعاً.. وتحدث بكلمات تعبر عما يدور في أفكار هؤلاء الإقطاعيين.. لكن عندما جاء صوت عبدالناصر هادراً بتلك العبارة.. ارتفع رأسك فقد مضي عهد الاستبداد والاستعمار.. هنا فقط عادت الطمأنينة لقلوب هؤلاء البؤساء الذين أرهقهم الاقطاع والاستعمار علي مدي سنوات طويلة. لقد كان لضباط ثورة 23 يوليو دور رائد في عودة الطمأنينة وإذ كان روح الوطنية في النفوس وإعلاء شأن الحرية خاصة لدي الشباب.. ومهما اختلفت الآراء حول ثورة 23 يوليو فإنها تظل المحرك الأساسي لاحياء الحرية والوطنية وعودتها في أعمال وقرارات أزالت الفوارق الاجتماعية بين الطبقات.. وكانت استجابة الشعب شديدة الحماس والإقبال نحو المشاركة في إعادة بناء هذا الوطن بعيداً عن الاحتكار وجشع الاقطاع وكبرياء الأثرياء. ومن الأحداث التي توضح مدي عودة الروح لفقراء بلدنا الطيب.. وتتمثل هذه الأحداث في أن سيدة من البؤساء توجهت إلي مأمور المركز التابع له قريتنا تشكو من تصرفات أحد الجيران فإذا به يتجاهلها ولم يعرها أي اهتمام فصارت تبكي وطلبت من أحد شباب القرية أن يكتب لها رسالة للزعيم جمال عبدالناصر رحمه الله.. وتم إرسالها بالبريد.. ولم تمض سوي عدة أيام وإذا بالسيدة تفاجأ بمأمور المركز يأتي إليها في مسكنها ويحقق لها شكواها معتذراً عما حدث من قبل. هذا قليل من كثير. ثورة 23 يوليو كانت لها آثار طيبة خاصة في أحياء الروح الوطنية ونزع الخوف من تلك الطبقات الكادحة التي لم تنسي أيام السخرية أثناء حفر قناة السويس. ما أشبه الليلة بالبارحة.. فقد ظل جيش مصر العظيم هو حامي الأمن القومي والأساس في دعم صروح الحرية والوطنية وإعادة بناء الوطن علي أساس من العدل والانصاف والتضحية بالأرواح من أجل رفعة هذا الوطن العظيم وحماية أبناءنا من كل الأخطار والأفكار المتطرفة.. فهاهم أبناؤنا من الضباط والجنود قد حطموا أسطورة الجيش الذي لا يقهر في حرب السادس من أكتوبر استطاعوا بكفاءة ووطنية واقتدار عبور أكبر مانع واقي وتحطيم خط بارليف الذي أقام ساتراً ترابياً منيعاً إزالة الأبطال ورفعوا العلم الوطني علي أرض سيناء الحبيبة بعزيمة وتخطيط وبطولات لاتزال تدرس في أكبر المعاهد العسكرية علي مستوي العالم. لقد كان عبدالناصر يدرك مدي أهمية الشباب ودوره في بناء الوطن ومشاركته الفعالة في التشييد والبناء لذلك كان هؤلاء الشباب في مقدمة اهتماماته. أوجد عملاً لكل شاب بمجرد تخرجه من الجامعة. واستطاع مواجهة البطالة بأسلوب علمي.. واستغلال طاقة هؤلاء الشباب.. في العمل الوطني.. فكان منهم أبطال ونجوم استطاعوا امتلاك ناصية البحوث العلمية ونالوا تقدير مراكز البحث في شتي أنحاء العالم. حصل هؤلاء الشباب علي جائزة نوبل وصارت أبحاثهم ملء السمع والبصر. ولاتزال شاهدة علي أن أبناء مصر قادرون علي تخطي أعتي الحواجز بجهد علمي ووطني. هؤلاء النوابغ كانوا من ثمار ثورة 23 يوليو وجهود رجال أوفياء انصهرت أفكارهم وأعمالهم في بوتقة واحدة. فصارت مصر شامخة بجهود أبنائها الأوفياء. لازال عطاء أبناء جيشنا ورجالاته ملء السمع والبصر.. تضحياتهم تفوق الوصف.. يقدمون أرواحهم فداء لمصر..