كالعادة.. اكتسحت البنات المراكز الأولي في امتحان الثانوية العامة مثل كل عام.. وأصبح تفوق البنات علي الأولاد في الامتحانات ظاهرة في المجتمع. والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا تتفوق البنات دائمًا؟! طرحنا هذا السؤال علي عدد من علماء النفس والاجتماع فماذا قالوا؟! في البداية تؤكد د. نسرين البغدادي رئيس المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إن تفوق البنات واكتساحهن المراكز الأولي في الثانوية العامة وغيرها من الامتحانات يرجع إلي شعورهن بالتمييز في مجتمعنا الذكوري حيث ان غالبية الأسر تفضل الذكور عن الإناث.. مما يجعل البنت تتعب وتجتهد في دراستها حتي تثبت تفوقها علي الولد. أضافت ان الطالبة مريم ابنة حارس العقار التي حصلت علي 99% في امتحان الثانوية العامة أصبح لها مثيلات كثيرات في مجتمعنا وأصبحت بنات الطبقة البسيطة متفوقات رغم ظروفهن الاقتصادية الصعبة. أشارت إلي أن البنات لا يجدن مخرجًا لهن في المجتمع الذكوري إلا بالتفوق في التعليم حتي تنتقل إلي مستوي أفضل وحال أحسن. وتتفق معها د. زينب شاهين أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية وخبيرة التنمية بمركز شئون قضايا المرأة: مؤكدة ان تفوق البنات له أسباب كثيرة أهمها ان البنت ليست ناشطة اجتماعية بمعني انها لا تخرج كثيرًا من بيتها خاصة إذا كانت من الأسر المحافظة وتتفرغ للمذاكرة فقط بعكس الولد الذي يخرج كثيرًا من بيته ويسهر مع أصدقائه وبالتالي لا يكون متفرغًا للمذاكرة ومن هنا جاء تفوق البنات علي الأولاد. تضيف د. زينب: ان الفتاة تشعر بالاحباط من جانب المحيطين بها فدائمًا شقيقها هو الأفضل منها وزوجها هو صاحب الكلمة ووالدها هو المتحكم الأول والأخير وكل ذلك يجعلها تتحفز حتي تتفوق في دراستها وتصل إلي أعلي المناصب. وتقول د. حنان أبو سكين أستاذ علوم سياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: ان الفتاة تتفوق في دراستها بسبب الضغوط المحيطة بها والاهتمام والمراقبة الزائدة عليها علي النقيض من الذكور الذين ينزلون إلي الشوارع ويخرجون ويلعبون وتأخذهم دائرة المتعة والبعد عن الاهتمام بغرض التدليل بعيدًا عن فكرة التفوق والالتزام. أضافت: ان البنات يتفوقن علي الأولاد لانهن يقضين فترات أطول في المذاكرة بعكس الولد الذي يخرج من البيت كثيرًا ويسهر مع أصدقائه. أضافت د. حنان: ان هناك تغييرًا كبيرًا طرأ علي الحياة بشكل عام ما دفع كثير من البنات يتجهن إلي التعليم لأنه هو الوسيلة والطريق إلي تحقيق الأهداف لحياة أفضل وتحقيق الطموحات في ظل الصراع الاقتصادي الذي تعيشه الأسر والبنات ليسوا بعيدين عن تلك الأزمة الطاحنة فهي دافع وحافز للتفوق والاصرار عليه أيضًا!! تضيف الدكتورة محبات أبو عميرة أستاذ بكلية بنات جامعة عين شمس: ان تفوق الإناث علي الذكور في التعليم يرجع إلي أسباب اجتماعية واقتصادية ونفسية مشيرة إلي أن العامل الاجتماعي يتمثل في البيئة الاجتماعية التي تعيشها الإناث حيث يقضين معظم أوقاتهن في المنزل وبالتالي لا يجدن أمامهن سوي الدراسة وتأدية ما عليهن من واجبات ويتمثل العامل الاجتماعي فيما يلقي علي الذكور ومسئولية في توفير المعيشة ومساعدة الأهل الجانب الاقتصادي مما يؤدي إلي تراجع مستوي الذكور في التعليم. أضافت: ان أغلب الملتحقين بكليات القمة الآن مثل الطب والهندسة وغيرها من البنات نتيجة اصرارهن علي التحدي واثبات الذات. وتقول د. سميرة شندي أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس: ان التعليم هو القيمة الأساسية لتحقيق الذات وتحقيق الطموحات ومن هنا بأتي اصرار البنات علي التفوق في الدراسة للالتحاق بكليات القمة واثبات انهن لسن أقل من الذكور بل انهن يتفوقن عليهم. أضافت د. سميرة: ان البنت تتعرض للتمييز داخل أسرتها بحكم مجتمعنا الذكوري لذلك تحاول اثبات ذاتها من خلال التعليم والتفوق في الدراسة والالتحاق بأفضل الكليات الجامعية. تري أن الطالبة "مريم" ابنة حارس العقار تعد مثالاً يحتذي به حيث تغلبت علي ظروفها الاقتصادية الصعبة في مجتمع مازال ينظر إلي الطبقات الفقيرة نظرة سيئة مشيرة إلي أن هذه الفتاة أكدت لأسرتها تفوقها منذ المرحلة الاعدادية وان حافز الفقر هو الذي دفعها للوصول إلي القمة والتفوق مؤكدة ان هذه الفتاة تتميز بالذكاء الوجداني ولا تشعر بالروتين نتيجة ظروفها الاجتماعية الصعبة ولكنها فخورة بعمل أبيها وتري انه عمل جدير بالاحترام مثل أي عمل آخر مما جعلها حديث المجتمع المصري كله وأبهرت الجميع بأخلاقها النبيلة وتفوقها في دراستها وحصولها علي أحد المراكز الأولي في الثانوية العامة هذا العام. ويقول د. أحمد البحيري أستاذ الطب النفسي: ان الأسرة المصرية تمنع البنت من الخروج من المنزل إلي أضيق الحدود بينما تسمح للولد بالخروج والتنزه مع أصدقائه بل والسهر معهم أيضًا مما يشكل مشكلة نفسية للبنت التي تعوض هذا التمييز بالتفرغ للدراسة والسعي للتفوق حتي تنال رضا أسرتها وتكون المفضلة لديهم عن الولد. أضاف: ان اهتمام الدولة بالمرأة بصفة عامة وذلك خلال السنوات القليلة الماضية واختيار هذا العام ليكون عام المرأة يعد عاملاً إيجابيًا ومشجعًا للفتيات علي النبوغ والتفوق خاصة بعد أن وصلت المرأة المصرية إلي أعلي المناصب وأصبحت محافظًا لأول مرة في التاريخ وهي الدكتورة نادية عبده محافظ البحيرة كما ان هناك العديد من الوزيرات ورؤساء الشركات والمصالح الحكومية وهذه تعد من أهم انجازات ثورة 30 يونيو. طالب د. البحيري بإجراء دراسة حول حالة الطالبة مريم التي تحدت كل الظروف الصعبة واستطاعت أن تتغلب علي بيئتها البسيطة وتتفوق بشكل مبهر. ويري د. أحمد جمال ماضي أبو العزايم أستاذ الطب النفسي: ان ظاهرة تفوق البنات زادت خلال السنوات الماضية خاصة بعد زيادة نشاط المرأة المصرية واشتراكها في المناسبات القومية بأعداد كبيرة أكثر من الرجال ووجدنا مشاركة المرأة في ثورة 30 يونيو ثم حرصها علي المشاركة في الاستفتاء علي الدستور الجديد وكذلك في انتخابات الرئاسة ووصلت المرأة إلي أعلي المناصب وأصبحت وزيرة ومحافظة وقاضية.. وكان من الطبيعي أن ينعكس ذلك علي البنات وحصولهن علي المراكز الأولي ليس في الثانوية العامة ولكن في كل المراحل التعليمية الأخري. أشار د. أبو العزايم إلي أن المشاكل المتعددة التي تمر بها الأسر أصبحت حافزًا قويًا علي تحقيق النجاح والتفوق خاصة في ظل ارتفاع أسعار الدروس الخصوصية والشعور بالمعاناة التي تمر بها الأسرة نتيجة ارتفاع الأسعار بالإضافة إلي أن البنات بعكس الأولاد ليس لديهن حرية الحركة والخروج من المنزل مثل الأولاد.. مما يحقق لهن استقرارًا وتركيزًا في المذاكرة أكثر من الأولاد. أضاف: ان الأمل والطموح أصبح لدي البنات لا يتحقق إلا من خلال التعليم خاصة بين أسر الطبقة المتوسطة والفقيرة.