** سألني عن شعبية الرئيس.. ووجدت نفسي أسأله عن الشعب الذي يشغل بال الرئيس؟! ** * الحلول السريعة هي غالبًا مريحة.. لكنها بقدر سرعتها لا تدوم.. ويسميها أهل الخبرة والحكمة المسكنات وهي قد تصلح مع صداع أو نزلة برد.. لكنها مع الدول والشعوب قد تعالج مسألة علي حساب مسائل أخري أكبر وأهم والرئيس الذي تشغله شعبيته يميل في الغالب.. إلي نظرية "إحييني النهاردة وموتني بكرة".. وهو يعمل علي ترحيل وتأجيل المشاكل.. فإذا ما ذهب وجاء من بعده.. اكتشف المصائب تحت غطاء خادع ولامع.. وفاحت رائحة التراكمات.. وما كان يمكن علاجه سابقًا.. يصبح من المستحيل الاقتراب منه فيما بعد.. ماديًا وفنيًا.. هنا نحتاج إلي صورة تلخص الموضوع وتجسده.. أرأيت الذي يرتدي بدلة من أرقي بيوت الأزياء الفرنسية.. ولكنه يمشي حافيًا بلا حذاء.. هكذا كنا وقت مبارك لو تذكرون وقد خرج بعد سنوات قليلة من حكمه.. يبشرنا بالأيام التي هي أسود من قرن الخروب ومن العيشة الضنك التي بلغناها.. وقتها حان وقت فوائد القروض التي أخذها السادات بعد حرب أكتوبر وأدت إلي انتعاش زائف لم يستفد منه سوي الكبار فقط.. حتي انه في مشهد شهير أوصي أحد كبار تجار الأخشاب والمخدرات أن "يخلي باله" من الإسكندرية علي أساس أنها عزبة.. وقالوا وقتها ان من فاتته فرصة أن يكسب و"يتريش" في عصر السادات الانفتاحي.. سيندم أشد الندم.. ولم يذكروا للغلابة روشتة المكسب.. لكن الحدق الذي يفهمها وهي طايرة.. عرف أن الفهلوة والشطارة أهم من الشهادة والشرف والكفاح.. وظهرت القطط السمان والقروض التي انهالت علي السادات وعصره وأنعشت اقتصادنا بالباطل.. تحولت إلي أفعي حول رقبة مبارك.. لكنه بدلاً من أن يصطاد الأفعي ويقطع دابرها لجأ هو الآخر إلي شغل "جلا جلا".. والتف حوله مجموعة من عصابات البزنس.. وامتلكوا السلطة والنفوذ.. وأقنعوه بأنهم "رفاعية".. لكن النتيجة كما اكتشفناها بعد يناير 2011 انهم "أفاعي" أولاد أفاعي.. وعرفنا أن الأعمدة التي تحمل البلد من "المهلبية" وليست من الأسمنت المسلح.. وها هي الأمراض المزمنة تطفو وتظهر وتدق كل نواقيس الخطر.. وجاء من يفتح صدره ويحاول أن يحل المشكلة من جذورها.. لا دجل ولا شعوذة.. وقال البعض: يا سيادة الرئيس أنت تسبح ضد التيار وتحاول إصلاح كل شيء وحسب ما جاء في الكتالوج وترفض نظرية "مشي حالك" وتراهن علي المستقبل.. وتعيد البناء علي أسس سليمة.. والناس في الشارع والبيت "تفرفر" وقد ضاقت عليهم الأسواق والسوبر ماركت والمخابز.. ضاقت عليهم بما رحبت.. ولأنه كان معهم من اللحظة الأولي صريحًا وواضحًا قال: إذا قررتم اختياري لهذا الهم الثقيل والمسئولية العظيمة.. فإنكم معي شركاء.. لست بساحر ولا أحمل في جيبي مصباح علاء الدين.. احملوها معي فإنها عظيمة.. إلا علي المخلصين العاملين المحبين لله وللبلد.. ويبدو أنه من فرط الثقة في الرجل وضعوه في سدة الحكم ثم ركنوا إلي "الأنتخة" و"الرحرحة".. علي أساس أن البركة فيه.. وفي جيشهم الذي يطعمهم ويحقق لهم الأمن.. بفضل الله من قبل ومن بعد هنا وجدت كلامًا في كتاب شهير من مكتبة التراث عنوانه: "سراج الملوك".. ومؤلفه أبو بكر الطرطوشي المولود سنة 450 هجرية في مدينة طرطوشة من مدن الأندلس. حيث يقول عن الحاكم المهموم بالمحكومين: * الخلق في شغل عنه وهو مشغول بهم.. الرجل يخاف ألف عدوًا.. وهو يخاف ألف عدو.. والرجل يضيق بتدبير أهل بيته وهو مدفوع لسياسة أهل مملكته وكلما رتق فتقًا من رقع مملكته انفتق آخر وكلما سد ثقبًا من هنا.. انفتح آخر هناك. يا سبحان الله كأن الطرطوشي قد قالها للسيسي الذي يعمل كل هذه المشاريع لتأسيس دولة حقيقية لليوم والغد وبعد الغد.. فهل أنتم علي نفس الموجة.. مع رجل ضحي بالشعبية من أجل الشعب؟!.