ملف استرداد أراضي الدولة التي استولي عليها أفراد أو شركات بوضع اليد متشعب. وفيه حالات متعددة ومختلفة. هناك من استولي علي أراضي الدولة. واستصلح وزرع. وهناك من استولي وأقام مشروعات منتجة. وهناك من استولي وأقام أبراجاً سكنية وكسب من ورائها الملايين. وهناك من استولي و"سقَّع" حتي يبيع بأعلي الأسعار. وبالطبع لا يستوي هذا مع ذاك. ويحتاج الأمر بالتأكيد إلي تعامل مختلف مع كل حالة أو مجموعة حالات. تعامل فيه "تقنين أوضاع". وفيه استيفاء حقوق مالية للدولة. وفيه بلدوزر الإزالة. وفيه الإحالة إلي القضاء. وكما تختلف الحالات. ويفرض اختلافها اختلاف طرق التعامل معها. فإن البشر الذين استولوا علي هذه الأراضي مختلفون أيضاً. هناك ديناصورات ومافيات. استولوا علي آلاف الأفدنة وملايين الأمتار المربعة ليزدادوا ثراء وهناك مساكين وضعوا أيديهم علي بضعة قراريط ليعيشوا. والقضية ليست جديدة.. إنها مطروحة أمام الحكومات المتعاقبة منذ عقود.. وإزالة التعديات علي أراضي الدولة. وتقنين أراضي وضع اليد. من الملفات الدائمة التي تسلمها كل حكومة راحلة إلي الحكومة التالية. وكان الظن أنه طالما القضية قديمة. والعمل في الملف قائم ومستمر. أو هكذا المفروض. فلابد أن هناك "قاعدة بيانات" دقيقة وشاملة لكل عناصر القضية.. تتضمن حصراً للتعديات. والمساحات. وتفصيلاً للأوضاع. وللأفراد والجهات المستفيدة. بحيث تكون الدولة كلها علي المستوي المركزي وعلي مستوي المحليات. جاهزة في أي وقت للعمل حال صدور قرار سياسي بذلك. لكن الواقع أثبت أنه عندما صدر القرار السياسي. بدأنا نتحدث عن "حصر التعديات". وكأننا نفاجأ بالقضية لأول مرة. أما علي أرض الواقع . فبدأنا كالعادة ببلدوزرات الإزالة. استعراضاً للقوة. مع أن قوة ولعبة الدولة ليست في التعامل الأمني وحده. ثم نكتشف أن هناك الآلاف من واضعي اليد الذين تقدموا للجهات المسئولة بطلبات تقنين أوضاعهم. ونفذوا ما طلبته هذه الجهات من شروط للتقنين. ثم لم يتم البت في طلباتهم طوال عشرات السنين. في كل الأحوال. هذه القضية تمثل اختباراً حقيقياً للدولة المصرية. في كيفية التعامل مع ملف متعدد الأطراف. ملف. فيه من هم في أعلي السلم الاجتماعي. ولديهم القدرة. مالاً ونفوذاً وعلاقات. علي التحايل. وعلي الإفساد. في سبيل الحفاظ علي مصالحهم. والإبقاء علي أوضاعهم. ولهم في ذلك تجارب سابقة. وفيه من هم في أدني درجات هذا السلم. ممن اضطرتهم الظروف لوضع اليد علي مساحات محدودة من الأرض تكفيهم فقط لأن يعيشوا. ولا أظن أن القضية ستنتهي بنهاية هذا الشهر.. ستحتاج أجهزة الدولة لوقت إضافي.. المهم ألا يؤدي ذلك إلي فتور الحماس.. يجب أن يشعر الجميع أنه طالما توافرت الإرادة السياسية. فلابد أن ينتهي العمل في هذا الملف في أسرع وقت ممكن.