يتعرض الرئيس الفلسطيني أبومازن ومعه كل الدول العربية لضغوط أمريكية وأوروبية وإسرائيلية هائلة لمنعهم في اللحظات الأخيرة من التوجه إلي الأممالمتحدة للحصول علي اعتراف بدولة فلسطين المستقلة علي حدود 1967 وانضمام هذه الدولة الوليدة إلي المنظمة الدولية. والسؤال المطروح الآن .. وعلي مدي اليومين القادمين : هل سيصمد أبومازن والعرب جميعاً أمام الضغوط أم يرضخون كالعادة ويساقون من جديد .. وبدون أي ضمانات .. إلي مسار السلام الأمريكي .. وجولة جديدة من المفاوضات التي لم تقدم لهم شيئاً يذكر علي مدي عشرين عاماً مضت؟! الموقف الفلسطيني المعلن حتي الآن هو الإصرار علي الذهاب إلي مجلس الأمن والمطالبة بالعضوية الكاملة واعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال .. وهذا الموقف يحظي بدعم وموافقة 126 دولة منها 6 دول أوروبية .. لكنه يصطدم مباشرة بتهديد أمريكي صريح باستخدام الفيتو ضده وبتهديد آخر صدر من الكونجرس الأسبوع الماضي بوقف المعونة الأمريكية التي تقدم للسلطة الفلسطينية وقدرها 470مليون دولار .. وإن كانت بعض المنظمات اليهودية الأمريكية عارضت هذا التهديد الأخير حتي لا تسقط السلطة .. وتعلو كفة "حماس" علي كفة "فتح". أمريكا لا تريد أن يذهب العرب إلي الأممالمتحدة .. ولا إلي مجلس الأمن علي وجه الخصوص حتي لا تضطر إلي استخدام الفيتو وتقع في حرج جديد أمام الشعوب العربية التي لديها شعور عام بكراهية أمريكا وسياساتها وظلمها وانحيازها لإسرائيل .. ولذلك كثفت ضغوطها خلال الأيام القليلة الماضية .. وبعثت باثنين من كبار مساعدي وزيرة الخارجية لمواجهة أبومازن والمعسكر العربي بالعصا والجزرة .. والوعد والوعيد .. كما أرسلت توني بلير مبعوث الرباعية الدولية إلي المنطقة ليتحدث عن إعلان جديد يصدر من الرباعية يمهد الطريق لعودة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية .. وذلك علي الرغم من أن بلير ورباعيته لم يسمع لهما صوت منذ زمن طويل وكانا دائماً في جانب إسرائيل. الاتحاد الأوروبي من ناحيته يريد أن يجنب الولاياتالمتحدة حرجاً دولياً إذا استخدمت الفيتو فقدمت وزيرة خارجيته كاترين أشتون عرضاً محدداً يقضي بأن يذهب العرب والفلسطينيون إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة بدلاً من مجلس الأمن .. ويطلبون الانضمام بصفة مراقب أو دولة غير كاملة العضوية .. مع وعد بأن يأتي الاعتراف الكامل في مرحلة لاحقة وعبر قنوات دبلوماسية ومفاوضات مع إسرائيل. كانت رسالة أشتون لوزراء الخارجية العرب المجتمعين في مقر الجامعة بالقاهرة أواسط الأسبوع الماضي واضحة : الذهاب إلي مجلس الأمن مرفوض .. ولو حدث واستخدمت أمريكا الفيتو فإن الموقف الأوروبي سيشهد تغيراً ليس في صالحكم. هذه الرسالة التهديدية تسببت في فشل اجتماع وزراء الخارجية العرب في اتخاذ القرار الحاسم في القضية : الذهاب إلي مجلس الأمن أم الجمعية العامة ... وحدث الانقسام. هناك دول عربية لا تريد احراج أمريكا بدفعها إلي استخدام الفيتو .. وهناك دول أخري تخشي من عدم توافر النصاب القانوني في مجلس الأمن الذي يضمن موافقة الثلثين علي الطلب الفلسطيني .. وذلك علي الرغم من الجهود التي تبذل حالياً مع الجابون والنيجر .. وهما الدولتان الافريقيتان في مجلس الأمن في الدورة الحالية. والبعض يتخوف من أن تمارس الولاياتالمتحدة ضغوطاً علي الدول الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن لدفعها إلي رفض المشروع الفلسطيني العربي .. وبالتالي لا تضطر إلي حرج استخدام الفيتو. وفي كل الأحوال فإن هذه المواجهة الدبلوماسية تمثل اختباراً جديداً للعرب .. ولقدرتهم علي الحركة واستخدام علاقاتهم وإمكاناتهم ونفوذهم في كسب التأييد الدولي لقضيتهم .. ثم إنها تمثل مرة أخري اختباراً حقيقياً للعمل العربي المشترك في هذه المرحلة الملتبسة في تاريخهم الحديث. ويرجح مراقبون أن يعدل الجانب الفلسطيني في آخر لحظة عن قراره بالتوجه إلي مجلس الأمن لطلب العضوية الكاملة .. والاستجابة لنصائح الأصدقاء بالاكتفاء بالتوجه إلي الجمعية العامة للحصول علي "دولة غير عضو" مثل الفاتيكان .. أو "دولة مراقب". وإذا حدث ذلك فسوف تكتمل الصفقة بالدخول في جولة جديدة من المفاوضات مع إسرائيل لتمرير الوقت ليس أكثر .. خصوصاً أن حكومة نتنياهو الحالية غير مستعدة لتقديم أي شيء للفلسطينيين .. أو أن تعترف لهم بأي حقوق. المهم في القضية .. هل سينجح العرب في الاختبار الجديد؟! وهل هم قادرون ولو لمرة واحدة علي أن يفعلوا ما يقولونه .. ويصلوا به إلي آخر الطريق؟! أشك!!!