أحيت الولاياتالمتحدة أمس الذكري العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 علي نيويوركوواشنطن وأوقعت ما يقرب من ثلاثة آلاف قتيل خلال ساعات.. وأدخلت العالم في دوامة ما عرف بعد ذلك ب "الحرب علي الإرهاب".. وهو المصطلح الذي روجت له إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ثم منعته إدارة الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما. ورغم هول الكارثة التي وقعت في ذلك اليوم 11/9/2001 ورغم مرور عشر سنوات كاملة علي هذا الحادث البشع فإن هناك من لايزال يشكك في أن تنظيم القاعدة هوالذي خطط ونفذ.. وهناك من يتهم أصابع أمريكية وصهيونية بالضلوع في الجريمة التي حملتها "القاعدة" علي عاتقها. هناك من يتساءل : كيف لمجموعة من الصبية المسلحين بأسلحة بيضاء أن يقتحموا أعتي المطارات ويمروا من أجهزة الأمن والمراقبة.. ويختطفوا طائرات تجارية لتنفيذ الهجمات.. وأين كانت أجهزة المخابرات الأمريكية التي لا يغفل لها جفن.. ثم إذا كانت هذه الطائرات قد ضربت البنايات العملاقة من أعلي فكيف سقطت هذه البنايات بالكامل.. مع أن هذا السقوط لايحدث إلا إذا كان الضرب من أسفل؟! وهناك كلام كثير تردد أثناء أحداث 11 سبتمبر وبعدها عن امتناع اليهود الأمريكيين عن الذهاب إلي برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك اللذين انهارا بعد أن اصطدمت طائرات بهما.. وهو ما يعني أن هؤلاء اليهود كانوا علي علم بالمخطط إن لم يكونوا ضالعين فيه. أما الذين تحدثوا عن دور أمريكي في المؤامرة فقد أشاروا بأصابع الاتهام إلي تيار المحافظين الجدد الذي كان يتشكل في أواخر القرن الماضي.. وينادي ببناء امبراطورية أمريكية تتولي زعامة العالم منفردة.. وهو تيار قائم علي أيديولوجية الصهيونية المسيحية وله علاقات وثيقة جدا بإسرائيل والصهيونية العالمية.. ولم يكن بالإمكان أن تنتقل أفكار هذا التيار الفاشي إلي حيز التطبيق إلا في ظل كارثة هائلة كتلك التي وقعت في 11 سبتمبر. وقد تم الترويج لأفكار المحافظين الجدد بتولي جورج بوش الابن زمام السلطة في واشنطن مع مطلع القرن الجديد من خلال مجموعات من الأطروحات التي تجسدت في كتب مثل "صراع الحضارات" و"نهاية التاريخ".. وكان المحور الأساسي في هذه الهجمة الفكرية هي أن العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لم يعد فيه مجال لاختبار نظريات جديدة فقد ثبت أن التاريخ قد انتهي إلي الهيمنة الأمريكية ونظرية السوق المفتوحة والحرية الليبرالية.. وأنه بعد سقوط العدو الأحمر لم يعد هناك من عدو لأمريكا والحضارة الغربية إلا العدو الأخضر "الإسلام". وبعد عشر سنوات من المواجهة المسلحة بين الولاياتالمتحدة والتحالف الموالي لها من ناحية وتنظيم القاعدة من ناحية أخري لانستطيع أن نجرم بانتصار أي الطرفين.. فكلاهما خسر خسرانا مبينا.. ذهبت أمريكا وحلفاؤها إلي أفغانستان ثم إلي العراق بمبررات ملفقة وفقدوا الكثير من المال والعتاد والرجال ولم يحققوا النصر الذي كانوا يتطلعون إليه.. بالعكس اعترفت أمريكا أخيرا بالهزيمة الضمنية في البلدين.. أفغانستان والعراق.. وقررت الانسحاب دون أن تحقق الحسم الذي أرادته.. اللهم إلا إذا كان مقتل بن لادن هو الثمن المكافيء لحروب السنوات العشر.. وحتي هذا الإنجاز هناك من يشكك فيه. وقبل استكمال الانسحاب الأمريكي سارعت الدول المتحالفة الي سحب قواتها من ميدان الحرب في أفغانستان والعراق رويداً رويداً تحت الضغط الشعبي بعد أن تكبدت هذه القوات خسائر فادحة. أما تنظيم القاعدة فلم يحقق هو الآخر النصر الذي كان يتطلع إليه علي معسكر الكفار.. ولم يحقق لنفسه الجاذبية الأيديولوجية التي انتظرها في العالم العربي والإسلامي.. وظل معزولا.. ومتهما بممارسة الإرهاب في كل البلدان وبين كل الشعوب.. ولم ينل شرف تمثيل المسلمين في أي مرحلة وفي أي بلد. وعندما قامت ثورات الربيع العربي لم يكن لهذا التنظيم أي دور.. ولو علي مستوي النموذج الملهم.. بل كانت الشعوب تطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتظاهر السلمي.. وكلها مفاهيم بعيدة تماما عن مفاهيم ومنطلقات "القاعدة". وإذا كانت إدارة بوش الابن قد طرحت سؤالا استراتيجيا في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر يقول : "لماذا يكرهوننا؟!".. وهو سؤال موجه أساسا للمسلمين الذين يكرهون أمريكا والأمريكيين.. فأغلب الظن أن هذا السؤال مازال مطروحا. كما أن اجابته البسيطة التي كانت معلنة آنذاك مازالت معلنة اليوم وبكل وضوح.. وتتلخص في أن الانحياز الأمريكي الأعمي للسياسات العدوانية الإسرائيلية في المنطقة العربية سيظل حاجزا كبيراً بين المسلمين وأمريكا. ليست كراهية دينية ولا أيديولوجية.. وليست بيننا فواصل عنصرية أو عرقية.. وإنما هي كراهية للظلم الذي تمارسه الادارات الأمريكية المتعاقبة علي الشعوب المحتلة المغلوبة علي أمرها.