في الستينيات من القرن الماضي. زار مصر المثقفان الفرنسيان البارزان. جان بول سارتر. وسيمون دي بوفوار. أمضي الاثنان بضعة أيام في القاهرة بدعوة فيما أذكر من محمد حسنين هيكل. التقيا أثناء الزيارة قيادات سياسية وثقافية مهمة. وناقشا العديد من قضايانا السياسية والاجتماعية والثقافية. وتفقدا أحوال اللاجئين الفلسطينيين. رغم أن الزائرين ينتميان إلي عالم الثقافة الرفيعة. فقد قرَّب التحرك الإعلامي ذلك الحدث من خلال أخبار وتحقيقات وحوارات وتعليقات. انتقلت أصداؤها إلي أماكن العمل وقعدات البيوت والمقاهي. صار حدثاً يهم الناس. يتابعونه. ويعلقون علي تطوراته. أذكر علي سبيل المثال ملاحظة سارتر علي الساعة في يد اللاجئ الفلسطيني: كيف يكون معدماً وهو يحمل ساعة؟!.. وأشارت التعليقات إلي سكرتير الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الانتماء. وأنه ربما نقل له صورة غير حقيقية عن أوضاع اللاجئين. ومنذ أيام زارنا نجم الكرة الأرجنيني ليونيل ميسي. صاحبة الدعوة شركة أدوية. الهدف المعلن تمتزج فيه الدعوة لزيارة مصر. وحملة القضاء علي فيروس سي. ومع أن الشركة حرصت علي تعويض نفقات الدعوة بتضييقها. والحصول علي عائد من كل خطوات الزيارة. فقد لقي وجود ميسي في موقع أهرام الجيزة اهتماماً هائلاً: من صحبه. كيف تنقل. ماذا قال.. عشرات التفصيلات والمنمنمات التي عرضت لقدوم نجم الكرة العالمية بطائرته الخاصة إلي القاهرة وعودته بعد رحلة الساعات الست إلي أسبانيا؟!! لو أنك تأملت نجاح الزيارتين فستلحظ أنهما تدينان بذلك إلي الإعلام. طبيعي أن يعني غالبية المواطنين بنجم الكرة. فهي اللعبة التي يحرص عليها الناس إلي جانب الخبز والغموس. وهو ما قد يغيب عن رحلة مفكرين فرنسيين. يجدان في كرة القدم وهو المعني نفسه الذي ينظر به الكثير من المثقفين المصريين إلي اللعبة وسيلة انتماء وترفيه. مهما تواضعت الأحداث الرياضية في حياتنا. فإنها تجد الصدي الشعبي والمتابعة من معظم المواطنين. مدفوعين بالتحفيز الإعلامي الذي يجعل أحياناً من الحَبَّة قُبَّة. ويكتشف الناس بعد انتهاء المباراة الكروية أن الشيخ مقطوع نذره. أي أن زيارة الفريق الأجنبي لم تكن تستحق كل هذا الصخب. أما الأحداث الثقافية فهي تعبر حياتنا في صمت. لا حس ولا خبر. إلا من أخبار وتحقيقات صغيرة في الصفحات الثقافية التي تعاني كذلك من التهميش. واعتبارها مادة احتياطية!! الإعلام هو المسئول في حالتي الذيوع والصمت. إذا التزم منطق الجمهور عاوز كده. فسيقصر اهتمامه علي ما يتصور أنه الشيء الوحيد الذي يطلبه الجمهور.. هو دور تابع غير قيادي. بينما العكس ما ينبغي أن يكون عليه دور الإعلام. أذكر فيلماً فرنسياً أراد الرجل أن يدعو صديقته إلي سهرة. فاشتري تذكرتين لمشاهدة حفل الأوبرا. لا يأخذك العجب لأن الفرنسي كان بائع فاكهة. فقد تأثر بالمناخ العام الذي لا يقصر اهتمامه علي لعبة رياضية. وإنما يجد في كل معطيات الحياة ما يستحق اهتمامه. وللإعلام في ذلك المجال دور يصعب إغفاله. هذه هي صورة الحياة في البرازيل والأرجنتين وفرنسا وانجلترا وهولندا وغيرها من الدول التي تفوقنا في كرة القدم. وفي الإسهامات الثقافية.