كان مجرد خروج الدكتور الهلالي الشربيني من وزارة التربية والتعليم أكبر إنجاز حققه التعديل الوزاري الأخير.. ولذلك فإن مجيء الدكتور طارق شوقي. أو أي شخص آخر ليحل محله. جدير بأن يبعث حالة من التفاؤل.. وقد زاد من هذا التفاؤل أن يعلن الوزير الجديد أنه أحد الذين يدركون أن التعليم هو الوسيلة الوحيدة لتغيير المجتمع المصري إلي الأفضل وإخراجه من كل المشاكل التي تحيط به. وما قاله د.طارق شوقي حتي الآن عن التعليم مثير للجدل.. ومثير أيضاً للأمل في تغيير نظام التعليم المهترئ. وإعادة صياغته.. فقد تكلم الرجل عن ضرورة إلغاء التعليم التلقيني. والاعتماد علي تنمية إبداع الطالب وابتكاره.. وهو ما يستوجب تغيير نظام الامتحانات.. وإلغاء الإجابة النموذجية.. والبحث عن الإجابة الابتكارية الإبداعية. وتكلم عن ضرورة تمكين المدرسة بعد أن فقدت دورها وتحولت إلي سجن طارد للطلاب.. لا يأتون إليها إلا لإثبات الحضور واستمرار قيدهم في دفاترها.. وأكد ضرورة استعادة مكانة المدرسة.. والتخفيف من المناهج وتقليل المواد الدراسية بما يسمح بزيادة الأنشطة التعليمية والعملية.. وتحقيق طفرة في دراسة العلوم والرياضيات.. وتأهيل المعلمين وتحقيق أعلي الرواتب لهم بما يليق بمكانة المعلم الاجتماعية والثقافية في المجتمع. وهذه بالطبع رؤية ناضجة. وإن كانت غير جديدة.. فقد أعلنت كثيراً من قبل في المؤتمرات والندوات والأبحاث التربوية.. ولذلك فإن الإنجاز الذي يستطيع د.شوقي أن يسجله لنفسه ليس في أن يقول ويسرد كما نقول نحن.. وإنما في أن ينفذ هذه الرؤية علي أرض الواقع.. يحولها إلي خطط وبرامج عمل.. ولعلي لا أضيف جديداً إذا قلت إن البداية الحقيقية للتنفيذ تكون مع رصد ميزانية مناسبة للعملية التعليمية ذاتها. وليس للمرتبات والإنشاءات والصيانة والمكافآت.. يجب فصل ميزانية العملية التعليمية عن ميزانية الإدارة.. وتدريب المعلم جيداً علي الأساليب التربوية الحديثة للتعليم.. واختيار أعلي الكفاءات للدخول إلي الفصول وليس الأضعف والأقل مستوي. ولا شك أن الدكتور شوقي يعرف كما نعرف أن لدينا نظاماً تعليمياً موازياً.. كفؤاً وناجحاً في مراكز الدروس الخصوصية "السناتر".. وليس يضيره أبداً أن يذهب إلي هذه المراكز ويتعرف علي سر هذا النجاح.. وكيف تُدار العملية التعليمية فيها.. وليس يضيره أن ينقل هذه التجربة الناجحة إلي المدارس. ويوفر لها عناصر النجاح: المدرس والإدارة والطالب والنظام المنضبط.. فإذا ما تحولت المدارس إلي مراكز تعليمية جاذبة سوف تفقد السناتر دورها.. ولا يبحث الطالب عن الدرس الخصوصي.. فقد أصبح في مدرسته أكفأ المدرسين. لكن يبقي أن أكثر أفكار الوزير د.طارق شوقي إثارة للجدل كلامه عن مراجعة مجانية التعليم.. بحيث تتكفل الدولة بالمجانية فقط للحاصلين علي أكثر من 70% نسبة نجاح.. بينما يدفع الحاصلون علي نسبة أقل جزءاً من المصروفات.. ويدفع الراسبون المصروفات المدرسية كاملة.. هذا انقلاب خطير في نظام التعليم الذي نتفاخر بأنه حق للمواطن. وواجب علي الدولة طبقاً للدستور.. التعليم كالماء والهواء.. ولا تنسي أنك تتحدث عن بلد يعاني من نسبة الأمية العالية. ونسبة التسرب من التعليم في ارتفاع مستمر.. وهذا الأمر لا يصح معه إلغاء المجانية. وبالذات في مراحل التعليم الأساسي. الابتدائي والإعدادي. وكم أتمني أن يفكر الوزير في إعادة الإعدادي الفني. ويطور الثانوي الفني لتخريج عمالة مهنية: زراعية وتجارية وصناعية.. قادرة علي التعامل مع سوق العمل.. وتخفيف الأعباء عن التعليم العام. والثانوي والجامعي.. المثقل بأعداد هائلة لا يطلبها سوق العمل. وتعاني من البطالة لسنوات طوال.