نص الدستور الحالي في مادته رقم 218 علي أن "تلتزم الدولة بمكافحة الفساد. ويحدد القانون الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بذلك". وأضافت المادة نفسها: "وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها في مكافحة الفساد. وتعزيز قيم النزاهة والشفافية. ضماناً لحسن أداء الوظيفة العامة. وللحفاظ علي المال العام. ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية. وذلك علي النحو الذي ينظمه القانون". انتهي نص المادة. المادة تضع علي عاتق الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة التزاماً دستورياً بأن تنسق فيما بينها في مكافحة الفساد. دون أن تضع أو تحدد "آلية" مؤسسية لهذا التنسيق. ليس هذا فقط. بل إن المادة نفسها تلزم هذه الهيئات والأجهزة الرقابية. ليس فقط "بالتنسيق فيما بينها".. بل أيضاً "بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية". ولا تقدم المادة هنا أيضاً آلية لهذه المشاركة. أو توضح كيف تتم. ولم يصدر حتي الآن قانون بذلك في الحالتين. رغم مرور ثلاث سنوات علي العمل بالدستور. ولا أظن أن مثل هذا القانون موجود كمشروع. ولا حتي كفكرة. لا علي لائحة مجلس الوزراء. ولا علي جدول أعمال مجلس النواب. رغم أهميته البالغة. وقد سبق لدستور 2013. الذي وضعه "الإخوان" وأسقطته 30 يونيه. أن سد هذه الثغرة. إذ نص في مادته رقم 204 علي إنشاء "المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد". والتي تختص وفق نص هذه المادة بالعمل علي محاربة الفساد. ومعالجة تضارب المصالح. ونشر قيم النزاهة والشفافية. وتحديد معاييرها. ووضع الاستراتيجية الوطنية الخاصة بذلك كله. وضمان تنفيذها. بالتنسيق مع الهيئات المستقلة الأخري. والإشراف علي الأجهزة المعنية التي يحددها القانون. ولا أعرف سبب عدم الأخذ بهذه المادة في الدستور الحالي. رغم أنه نقل بالنص أحياناً. وبتصرف أحياناً أخري. عشرات المواد من دستور .2013 ما علينا.. لقد سبق لي أن اقترحت. حتي من قبل دستور 2013. إنشاء "مجلس أعلي لمكافحة الفساد" يضم رؤساء جميع الأجهزة الرقابية. والأجهزة الأخري المعنية. أو ذات الصلة. كآلية ضرورية للتنسيق بين هذه الأجهزة في حرب شاملة ضد الفساد. وكان دافعي لهذا الاقتراح. ما لاحظته من تداخل المواقف القانونية للمتهمين في قضايا فساد من رموز نظام ما قبل 25 يناير ..2011 فالمتهم الواحد قد تكون له قضية في الكسب غير المشروع. ثم تظهر له قضية أخري في الأموال العامة. وبعدها قضية ثالثة في مخالفات إدارية أو مالية رصدتها تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات. ورابعة تتعلق بغسيل أموال.. إلي آخره. وفي غياب كيان يضم رؤساء كل الأجهزة الرقابية والمعنية بمكافحة الفساد. لا يوجد حصر شامل لكل متهم بالقضايا التي عليه. حيث تتوزع بين أكثر من جهاز أو جهة. وتقوم كل جهة بالتحقيق من جانبها دون معرفة بما لدي الجهة الأخري بالنسبة لنفس المتهم. رغم أن تبادل المعلومات قد يكشف جوانب خفيت علي الجهتين. وقد يؤثر في توجيه التحقيق. وفي القرار النهائي للتصرف فيه سواء بالحفظ أو بالإدانة والإحالة للمحاكمة. إن عام 2017 الحالي فيما يبدو سيكون عام الحرب الشاملة علي الفساد. وحتي لا نلقي بالعبء كله علي جهاز واحد هو هيئة الرقابة الإدارية. فإن وجود "مجلس أعلي لمكافحة الفساد" كفيل بالتنسيق. وتوزيع الأعباء. وتبادل المعلومات لإحكام الحصار علي الفاسدين.