وضعنا حكم المحكمة الإدارية العليا بشأن جزيرتي تيران وصنافير أمام حقيقة جلية.. وخلق واقعا جديدا.. يتطلب التعامل معه بحكمة لانهاء حالة الانقسام والبلبلة والتشتت التي يعيشها المصريون.. نحن نعاني من فتن وبلاءات عديدة.. ولم نكن في حاجة أبدا إلي مزيد من الصراعات الداخلية التي تشغل الناس وتعمق الخلافات والانقسامات حول الأرض. مصر اليوم تمر باختبار كبير.. ولم يعد أمامها إلا أحد طريقين: إما أن تستمر في حالة "التوهان" والتشتت.. وإما أن تجمع شملها بسرعة وتسد أبواب الفتن ونوافذها.. لتظل قوية متماسكة. هناك نفوس غاضبة ومشحونة.. وهناك عقول صارت متشككة في كل شيء حولها.. وهذا يتطلب خطابا وطنيا مقنعا لتهدئة النفوس وتبصير العقول.. خطابا يرتكز علي قدسية الوطن ووحدة أراضيه.. ولا تفريط في حبة رمل واحدة من ترابه. المصريون جميعا.. مؤيدون ومعارضون.. يلتقون علي أرضية "الوطن".. ولديهم الشجاعة كي يقدموا أرواحهم فداء لبلدهم.. لذلك يجب أن يجعل الحكماء من "الوطن" نقطة التقاء لتجميع الصفوف.. وليس نقطة فرقة وانقسام.. عندما يكون الحديث عن الوطن.. ومن أجل الوطن.. تسقط الانتماءات الحزبية والعصبيات القبلية والسياسية والأيديولوجية.. ويكون هذا هو الاختبار لنا جميعا كمصريين. وهناك اختبار آخر لنا كعرب.. نمر أيضا بمرحلة ربما تكون هي أكثر مراحل تاريخنا سوءا من حيث الانقسام والتشتت والحروب التي نعيشها.. ناهيك عن حالة الضعف والهوان واستقواء الأعداء علينا.. وتسللهم إلي داخل بيوتنا.. ليحاربونا صفا واحدا.. بينما نحن نحارب في صفوف متفرقة متباغضة متناثرة.. وأحيانا يحارب بعضنا بعضا. في هذه الحالة يجب أن تكون رسالتنا إلي الاخوة السعوديين واضحة.. بأن حكم المحكمة الإدارية العليا بشأن الجزيرتين لا يعني أبدا اننا ضد السعودية.. أو نضمر لها شرا.. بالعكس نحن نريد مزيدا من العلاقات الأخوية الطيبة مع اشقائنا جميعا.. واشقائنا السعوديين علي وجه التحديد.. ونعلم علم اليقين اننا كعرب لن تقوم لنا قائمة إلا إذا اتحدت مصر والسعودية وسوريا والعراق واجتمعت حولهم بقية الدول العربية لنسير معا في طريق البناء والوحدة. لقد اثبتت المحكمة من خلال الخرائط والمستندات التي قدمت إليها أن الجزيرتين مصريتان - والجدل في هذه الحقيقة يضر ولا ينفع - ويفتح أبواب الهلاك علي الجميع.. لذلك يجب أن نبحث معا عن السبل والوسائل التي نخرج بها سالمين من هذه الفتنة.. لتظل أخوتنا قائمة.. ويظل تعاوننا أفضل. تعالوا نجعل من جزيرتي تيران وصنافير نموذجا حقيقيا للتكامل العربي الذي نتحدث عنه كثيرا ولا نراه.. تعالوا نحول هذه الأرض القاحلة إلي جنة ونقتسم خيراتها معا.. هي أرض عربية.. مصرية كانت أو سعودية.. وهي تقع في نقطة استراتيجية اقليميا ودوليا.. ومن العار أن نتركها هكذا بدون استثمار.. وبدلا من أن نتنازع علي ملكيتها والسيادة عليها.. تعالوا نتسابق من أجل أن تكون نقطة التقاء.. تجتمع فيها الأموال والخبرات السعودية مع السواعد المصرية لتعميرها.. وتكون البداية بالجسر البري الذي يربط آسيا بأفريقيا.. ويربط العالم العربي شرقه وغربه. نحن لسنا في خصومة مع السعودية.. ولا نريد أي تصعيد معها لأن هذا التصعيد لن يستفيد منه إلا عدونا المشترك الذي يتربص بنا الدوائر.. ويعمل جاهدا كي ندخل في صدام وعراك.. لكننا علي يقين بأن حكمة إخواننا في السعودية سوف تفوت الفرصة علي هؤلاء المتربصين.. فهم يعلمون جيدا أن مصر تفتح ذراعيها ترحيبا بهم في كل حين.. مصر هي وطنهم بعيدا عن إثارة النزعات الاقليمية الضيقة. تعالوا نفكر معا خارج الصندوق.. وخارج المؤامرات.. وخارج الصراعات والانقسامات.. تعالوا نفكر فيما يجمعنا ويفيدنا.. وليس فيما يفرقنا ويزرع الفتنة بيننا.