أنا رجل في منتصف الستينيات من العمر.. كنت أتمني لحياتي مساراً آخر مختلفا عما آلت إليه لكن نظرات الناس المحبطة وتعاملاتهم المتحفزة جعلتني أسير المشاعر السلبية التي باتت تسكنني! سيدتي لقد نشأت في أسرة مكافحة الأب موظف بسيط والأم ربة بيت والاثنان يسعيان علي تعليمي أنا وشقيقاتي الثلاث.. وقد حظيت دونا عنهن ببعض الاهتمام ليس لأنني الولد انما لظروفي الخاصة حيث جئت إلي الدنيا باعاقة في اليد اليمني مع تلعثم في الكلام ومع ذلك حرص ابواي علي الحاقي بالمدرسة لأجد مكاني وسط اقراني الاصحاء الذين كانت نظراتهم تلاحقني كالسهام الحارقة وهي تتفحصني كأنني كائن غريب.. مواقف مع تكرارها لم املك سوي التعايش معها حتي لا تؤثر علي مستقبلي وحلمي في التخرج في الجامعة فبعد حصولي علي المؤهل العالي توظفت بالحكومة في الوقت الذي انهت شقيقاتي دراستهن فوق المتوسطة ثم تزوجن تباعا وبعد سنوات قليلة توفي والداي اللذان برحيلهما تركا فراغا قاسيا في حياتي لم يلمؤه سوي رئيسي في العمل هذا الرجل الذي لم يشعرني بأي فروق بيني وبين زملائي بل كان يمنحني تكليفات اكثر وكأنه يخاطب الجميع "كلكم سواء عندي". وبنفس هذه الروح أخذ يبحث لي عن العروس المناسبة لكن ما إن تعلم الفتاة بظروفي حتي تحاصرني بشروطها المجحفة وتمعن في ابتزازي أو اجدها فتاة سطحية طموحها لا يساير طموحي.. وهكذا تسربت مني سنوات العمر بلا زواج لاضع رحالي في دنيا "العزوبية" التي ما كنت لاحتملها لولا انهماكي في العمل وفي تسجيل خواطري وكتاباتي وما جعلني استعيد كل هذه الذكريات المحبطة هن شقيقاتي اللائي بدأن مؤخرا وعلي غير العادة في السؤال عني ليس من باب مراجعة النفس وشعورهن بالتقصير نحوي وانما من باب الترقب فالعمر يتقدم بي وما ادخرته لمعاشي كل الأعين صارت عليه!! لقد تجددت آلامي وصارت دموعي حبيسة وأنا أجد اقرب الناس إلي ينتظرون رحيلي وهو ما دفعني للحديث معك حيث يلح عليّ التفكير في الزواج من سيدة مثقفة تقاربني في السن وتبحث عن ونيس تمضي معه بقية حياتها ولا يشغلها ما الذي ستورثه منه.. فهل أجدها؟؟!! المحررة : رغم نظرتك المفرطة في الحساسية تجاه المجتمع اري أن جانبا من سيطرة هذا الشعور عليك يعود إليك أنت فلست الوحيد الذي ابتلاه الله في صحته بل هناك كثيرون مثلك استطاعوا التغلب علي اعاقاتهم وكم من الزيجات الناجحة رأيناها حولنا تشهد علي ذلك لكن علينا أن نفتش دائما في الأسرة التي لاشك كان لها دور سلبي فيما وصلت إليه في علاقتك بشقيقاتك البنات اللائي فسرت تقربهن منك مؤخرا بأنه طمع فيك ولم ترجعه لقلقهن المشروع عليك وأنت الذي تقدم به العمر ويكابد مرارة الوحدة. وبعيداً عما تضمره شقيقاتك لك - بحسب ظنك - فإن الحكمة تقول: "أن تأتي متأخرا أفضل من أن لا تأتي أبداً" فإن تأخرت خطواتك كثيرا في الزواج للأسباب العديدة التي ذكرتها لنا فليس هناك غضاضة من أن تعيد التفكير في الأمر ثانية ودور المسنين نفسها مليئة بتجارب ناجحة لرجال ونساء وجدوا راحتهم النفسية لن تتحقق لهم مهما بلغت الرعاية الا بالزواج!! ولعل بعد نشر مشكلتك تجد نصفك الآخر الذي ينسيك مرارات الماضي ويمنحك ربيع العمر الحقيقي لكن تظل القضية في استمرار غياب الوعي المجتمعي بكيفية التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة وهي ثقافة يحتاج نشرها لتضافر جهود وزارات التعليم والثقافة والشباب والمؤسسات الدينية حتي يسود السلام النفسي بين الجميع.