التواضع في تعريف الذات يكسبنا ثقة الآخر انطلق نجيب محفوظ في بداية كلمته التي أُلقيت في حفل تسلمه لجائزة نوبل من أنه مجهول بالنسبة للكثيرين في العالم. فقال "وتساءل كثيرون عمن أكون " ثم عرف نفسه بعبقرية رابطا الخاص بالعام .وكأنه يعرف العالم بنا جميعا .وبهويتنا الثقافية والتاريخية والحضارية »هويتنا التي مازال الكثيرون منا يكيلون الكلمات ويفتعلون القضايا. ويقيمون المؤتمرات والندوات .ويثيرون الجدل العقيم بين من يسمون أنفسهم القوميين ويقولون أن مصر فرعونية فقط. ثم يتقاتلون مع من ينضوون تحت لواء القومية العربية ويقولون إن مصر عربية وفقط . ولو عاد هؤلاء وهؤلاء لكلمة نجيب محفوظ »لعرفوا هويتنا التي وضحها في كلمات موجزة حيث أوضح أنه ابن تزاوج حضارتين »فرعونية وعربية .وقدم نموذجين إنسانيين للتدليل علي عظمة هاتين الحضارتين »أولهما قصة الفرعون الذي نما إلي علمه وجود علاقة آثمة بين بعض نساء الحريم وبعض رجال الحاشية فكان باستطاعته أن يبطش بالجميع ولكنه جمع نخبة من رجال القانون .وطالبهم بالتحقيق وقال أنه يريد الحقيقة ليحكم بالعدل .وثانيهما أن العرب في إحدي انتصاراتهم علي الدولة البيزنطية ردوا الأسري مقابل عدد من كتب الطب والفلسفة والرياضيات من التراث الأغريقي العتيق. اللغة العربية في المحفل الدولي أصر نجيب علي أن تكون كلمته باللغة العربية وفي هذا تعظيم لشأنها .وأكد أنها هي الفائز الحقيقي بتلك الجائزة .ونحن نقول له إنك كنت السبب الحقيقي في جعل العالم يلتفت إليها .وإلي أدبائها الذين حفزتهم للسعي لنيل تلك الجائزة» حيث أكدت في كلمتك علي أنك تتمني ألا يقتصر التتويج بجائزة نوبل عليك فقط من أدباء العربية. التفوق ممكن رغم الظروف الصعبة "لعلكم تتساءلون : هذا الرجل القادم من العالم الثالث كيف وجد من فراغ البال ما أتاح له أن يكتب القصص ؟" دلف نجيب محفوظ من خلال هذا التساؤل إلي تحريك مشاعر الغرب المتقدم ناحية العالم الثالث الذي ينوء بالديون ويتعرض للمجاعات .ويحثهم علي ضرورة تحمل مسئوليتهم تجاه هذا العالم الفقير. ثم جذب انتباه الجميع نحو الحق الفلسطيني الضائع والذي يحتمه التاريخ .ووضح أنهم يُحرمون من العيش الآمن علي أرضهم وأرض أجدادهم .وربط نجيب محفوظ بين تقدم العالم الحضاري الذي أدي إلي التوافق بين القوي الكبري وإيقاف الحروب ونشر السلام. وسعي لتطهير البيئة. وقدم العلماء منجزاتهم العلمية الكبيرة في ظل السلام -ربط بين ذلك كله وبين ضرورة إنقاذ الغرب المتقدم والذي يقود العالم لكل المظلومين الباقين في العالم وعلي رأسهم الفلسطنيون الذين يتعرضون للرصاص والعذاب. للمرة الثانية يذكر نجيب محفوظ القضية الفلسطينية وهذا ما يؤكد علي يقينه الشديد وإحساسه العالي بالمسئولية كمصري عربي مسلم تجاه قضية العرب والمسلمين الأولي . وإن الطالب في المرحلة الثانوية بالذات يكون في مرحلة البحث عن ذاته. ويمكن أن يكون صيدا سهلا لأي أفكار شاردة من هنا أو من هناك .وسيجد من المتنطعين أصحاب النفوس المريضة من يقول له: إن نجيب محفوظ ملحد وكاتب إباحي وأفلامه كلها مسخرة وروايته أولادنا حارتنا كلها كفر ولولا ذلك ما فاز بجائزة نوبل . وهذا ما حدث بالفعل مع الشاب الذي حاول اغتيال نجيب محفوظ علي الرغم من أنه لم يقرأ حرفا واحدا مما كتبه أديبنا العظيم. وهذا ما أكده مطالبة نائب دائرتي الحاصل علي دكتوراة في القانون بمحاكمة نجيب محفوظ لأن أدبه خادش للحياء والذي انتخبته مع الأسف حيث كان منافسه من أمراء السلفيين بقريتي وهو عضو مجلس سابق في برلمان الأخوان وهو أيضا صاحب حادثة شهيرة وهي مطالبته بتجريم وفرض عقوبة علي من لا يقوم بختان الإناث واتضح أن تعليمنا لا ينتج إلا أمثال هؤلاء مع اختلاف هيئاتهم الخارجية. لهذا أري أنه لابد من أن تدرس كلمة نجيب محفوظ في مدارسنا الثانوية »حتي يعرف أبناؤنا الطريقة المثلي لتقديم أنفسنا للأخر »ألا وهي التفوق والتميز في شتي مجالات العلم والأدب رغم كل الظروف الصعبة وذلك يكون خير عمل لمواجهة من شوهوا صورتنا بأعمالهم الجنونية مثل أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وتنظيم داعش. وتنظيم الأخوان . وكل من يحاولون اختطاف الإسلام وحبسه في خندق العصور السابقة وعزله عن مسايرة العصر الذي نعيشه .هؤلاء الذين جعلوا العالم يتوجس من كل ما هوعربي أو مسلم حتي خرجت كتب تقرن بين الإسلام والإرهاب .وظهر في الغرب ما عرف بالإسلاموفوبيا . وتلك الكلمة العظيمة لعظيمنا نجيب محفوظ تجعلنا نقف في الخندق المعاكس لهؤلاء حيث أنها تعرفنا كيف نطرح أنفسنا وقضايانا بطريقة حضارية. تجعل العالم يحترمنا ويحترم حقوقنا وخصوصيتنا.