قدم فضيلة الإمام الأكبر في غضون الأشهر القليلة الماضية جهوداً كبيرة لخدمة الإسلام والمسلمين. ولرفع شأن الأزهر واستعادة مكانته الريادية كمنارة للعلم الديني ونبراساً يهدي للإسلام وللسلام في العالم. ولن نعدد ما قام به فضيلة الإمام الأكبر ولكن أهم تلك الجهود علي الإطلاق هو التحرك الفعال لحل أزمة مسلمي بورما الذين يعانون منذ سنوات من القتل والتهجير والتشريد والاضطهاد وسط صمت دولي لم يملك حياله المسلمون هناك سوي الشجب والإدانة ومطالبات للمجتمع الدولي بالتدخل ومطالبات للمنظمات الانسانية بالمساعدة. كل هذا دون ان يتحرك أحد لوقف شلال الدم للمسلمين هناك ولا لبحث أسباب المشكلة والتدخل لحلها. ومن موقع المسئولية الإسلامية أولاً. والإنسانية ثانياً. قام مجلس حكماء المسلمين بقيادة الإمام الأكبر ببحث أوضاع المسلمين في بورما. والسعي لحل مشاكلهم ووضع حد لمعاناتهم. وأتي فضيلته بممثلين من الشباب لكافة الطوائف هناك من مسلمين ومسيحيين وهندوسيين وبوذيين ليقف علي حقيقة الصراع هناك. هل هو عرقي أم طائفي أم عقدي ويقدم السبل للإصلاح بينهم والعمل لإنهاء ذلك الصراع القائم منذ سنوات بين العرق البنغالي "الروهينجا" وسكانها من المسلمين وبين سكان بورما الاصليين من البوذيين. وهذا العمل الجليل من الإصلاح بين المتخاصمين. الذي يقوم به الإمام الأكبر مما حث عليه الإسلام بل انه كان من هدي النبي - صلي الله عليه وسلم - السعي في الإصلاح بين الناس وكان يعرض الصلح علي المتخاصمين وقد باشر الصلح بنفسه حين تنازع اهل قباء فندب اصحابه وقال: "اذهبوا بنا نصلح بينهم". رواه البخاري. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصي من يوليه. ويقول: "ردوا الخصوم حتي يصطلحوا فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن". وكذلك كان السلف رحمهم الله حريصين علي هذا الخير ساعين فيه. ولكن الشيطان الذي لا يسره حقن دماء المسلمين ويجد نفسه وعمله في اثارة الشحناء قال عنه نبينا: "أيس - أي الشيطان - ان يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم" هذا الشيطان لن يدع هذه الفرصة تفوت عليه ولن يتواني هو وأعوانه من شياطين الإنس ومن اصحاب المصالح وأهل السوء والهوي المتبع وأهل الإفساد والشر عن السعي لإفساد الصلح والعمل علي شغل الناس عن القضية الأساسية التي هي موضع النزاع. ويجرهم لقضايا فرعية تبعدهم وتشتت جهودهم وتعمل في التحريش بينهم واذكاء نار العداوة والبغضاء حتي تتحول هذه الشرارة الي فتنة عظيمة وشر مستطير لها عواقبها الوخيمة: فيساء الظن ويقع الإثم وتحل القطيعة. لا أجد لأعوان الشيطان الذين سحبوا الناس عن القضية الأساسية. بادعاء الحرص علي الدين. وصفاً يليق بهم إلا قول المسيح الذي وصف به من يحرفون الكلم عن مواضعه بادعاء التقوي حين قال لهم: "يا أولاد الأفاعي كيف تقدرون ان تتكلموا بالصالحات وانتم اشرار فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم". وهذا ليس شتماً ولا سباً وإنما هو الوصف الذي وصف به المسيح من يحرفون الكلم عن مواضعه. وصف به الخبثاء الذين يدعون الصلاح وقلوبهم خالية من التقوي ولديهم اغراض خاصة وما يحكمهم ليس الحق بل هو هوي قلوبهم وحقد نفوسهم ولذا قال: "فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم" وتعجب منهم قائلاً: "أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تفلتون من عقاب جهنم". صرفوا انظار الناس عن قضية المسلمين ودمائهم المسالة في الشوارع الي كلمة لاتزيد عن دقيقة مقتطعة من سياقها الذي يبلغ قدره ربع ساعة وغضوا الطرف عن قول الرسول صلي الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا أهون علي الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق". وروي بلفظ: "لهدم الكعبة حجراً حجرا أهون من قتل مسلم". ولن زطيل في الكلام عن كلمة شيخ الأزهر ولا ايضاح ان اي معتقد صحيح او باطل يسمي ديناً. عملاً بقول الله تعالي في سورة الكافرون عن معتقد الكافرين: "لكم دينكم ولي دين". ولكن ما أود الحديث عنه هنا هو ذلك العمل الجليل وهو الإصلاح بين الناس ومعناه وشروط من يسعي للإصلاح والواجب علي من يقوم به مما اتفق عليه العلماء. الإصلاح هو: السعي والتوسط بين المتخاصمين لأجل رفع الخصومة والاختلاف. عن طريق التراضي والمسالمة. وفي العلوم الحديثة تسمي الوساطة التي تعرف بأنها: أسلوب من أساليب الحلول البديلة لفض النزاعات يقوم بها شخص محايد يهدف الي مساعدة الأطراف المتنازعة للاجتماع والحوار وتقريب وجهات النظر وتقييمها لمحاولة التوصل الي حل وسط يقبله الطرفان. والإصلاح او الوساطة يفضل غالباً كطريق لحل النزاعات عن القضاء لأن القضاء له أماكن معينة وإجراءات كثيرة وعلانية غير محببة التي بسببها قد يفضل المتخاصمون القطيعة او الهجر وابقاء الخصومة وتأجيل المصالحة أو أي سبل أخري علي رفع أمرهم الي القضاء. وكذلك كثيراً ما يكون رفع الخصومة الي القضاء يزيد في القطيعة خاصة بين الأقارب أو الجيران ولذا قال عمر رضي الله عنه: "ردوا الخصوم حتي يصطلحوا فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن".