افتخر المفتخرون بأن وكسة يناير كسرت حاجز الخوف.. واعتبروا تلك ميزة وانتصاراً.. وإنني أري أن ذلك كرب عظيم.. فعندما مات الخوف خرج كل العفن من الجوف وصار الناس في بلدي يقولون كما يبولون في الطريق العام وعلي الهواء مباشرة.. ويتغوطون ولا يتحوطون.. ونزعوا ورقة التوت وضربوا الوطن والقيم والفضائل "بالشلوت".. ولم يعد هناك فرق بين نجوم الفضاء ورواد الغرز والحانات. إذا زال الخوف توقفت الحياة وحركة البشر.. فنحن نتحرك في الحياة بالخوف ونسكن ونسترخي بالأمان المزيف.. الخوف هو الذي يحركنا.. الخوف من المجهول.. من الإفلاس.. من النوازل.. من المرض.. وجماع كل ذلك الخوف من الله عز وجل.. ونحن نعبد الله وندعوه خوفاً قبل أن ندعوه طمعاً.. ومن أمن العقوبة أساء الأدب.. والمجانين وحدهم والحمقي وحدهم هم الذين لا يخافون. وآفة مصر وطامتها الكبري الآن هي زوال الخوف.. فلا أحد يخاف كبيراً ولا قانوناً ولا أحد يخاف الله.. والمصريون بعد وكسة يناير صاروا يفتخرون بالبجاحة ويجاهرون بالمعصية ويتسابقون في الوقاحة وقلة الأدب والتطاول.. وصرنا مثل الحيوانات السائبة التي "تبرطع" فتهلك الحرث والنسل.. والشعوب التي سبقتنا ومنها شعوب عربية تقدمت وارتقت بالخوف "والمشي علي الرصيف وعلي الصراط المستقيم.. مافيش هزار في الأمن".. أنت علي العين والرأس إذا خفت والتزمت.. لكن "الغلطة بفورة".. يمكن أن تذهب وراء الشمس بهفوة أو بكلمة عبيطة وغير منضبطة.. لا شعور مطلقاً بالأمان الزائف.. يجب أن تحاسب علي كلامك وتحاسب علي أفعالك.. والناس في هذه المجتمعات سعداء إذا التزموا وانضبطوا.. يفعلون ما يحلو لهم ويستمتعون بحياتهم إذا احترموا النظم والقوانين والقواعد.. لا أحد يقترب منهم أو يعكر صفوهم أو "يعكنن" عليهم. أما في مصر فقد تخلفنا بالشعور الزائف بالأمان وبأن "السجن للرجالة" وبأنني "رئيس جمهورية نفسي".. وبأنني في البلد وحدي وأقول وأفعل ما يحلو لي.. تخلفنا أكثر وأكثر بعد وكسة يناير عندما صارت الدولة أضعف من الشعب.. وعندما صار الحاكم جيفة والرعية نسوراً من حولها.. بينما الحكمة العربية الخالدة تقول: خير للرعية أن يكون السلطان نسراً حوله الجيف من أن يكون جيفة حولها النسور.. والحكمة الأخري الخالدة التي تقول: سلطان تخافه الرعية خير للرعية من سلطان يخافها.. والحاكم الديكتاتور خير من الشعب الديكتاتور.. والشعوب لا تحترم القوانين لذاتها ولكنها تخاف العقوبات ولو تخيلنا قانوناً بلا عقوبة. فسوف نضحك كثيراً لأنه سيكون تحت الحذاء أو سيكون مثل ورقة تواليت يستخدم مرة واحدة عند صدوره وبعد ذلك لا أحد يسمع عنه أو يتذكره. وليس صحيحاً أن القوانين في مصر غير حاسمة ولا جيدة.. بل إنها أعظم قوانين في العالم. لكن المشكلة أن العقوبات معطلة أي أنها قوانين مثل الكلاب العجوزة التي سقطت أسنانها وأنيابها فصارت تنبح ولا تعض.. وقوانين مصر أكثر من الهم علي القلب.. ونكاد نري عشرة قوانين لكل مواطن.. ولكنها بلا أسنان ولا أنياب ولا مخالب.. تنبح ولا تعض.. والقانون الوحيد المطبق في مصر هو "قانون معلش وعشان خاطري.. سماح المرة دي".. وقانون "شيلني وأشيلك".. وقانون "سيب وأنا أسيب".. وقانون "حلني.. وموت يا حمار".. وقانون "قول ياباسط". لذلك انفلت كل شيء في هذا البلد والإعلام علي رأس المنفلتين.. ولست أري خيراً كثيراً في صدور قوانين "المجلس الوطني ولا الهيئة الوطنية للإعلام.. ولا الهيئة الوطنية للصحافة" لأنه قانون "زي آلاف القوانين في مصر".. بلا أسنان وبلا عقوبات وسوف يسيطر عليه قانون "معلش المرة دي".. و"نعمل صلح بين شوبير ومرتضي منصور" و"صافي يالبن.. حليب ياقشطة" ولا أحد يأخذ حق الشعب الذي تعرض للبذاءات علي الهواء مباشرة.. وسمع السفالات والوقاحات من كل الإعلاميين.. الذين يقولون كما يبولون!!