احتفلت اليونسكو في مقرها بباريس باليوم العالمي للغة العربية.. بحضور المديرة العامة لهذه المنظمة الدولية إيرينا بوكوفا وعدد من سفراء وأعضاء الوفود العربية بالمنظمة.. كان الاحتفال تحت عنوان "تعزيز انتشار اللغة العربية".. وبهذه المناسبة بشرنا مندوب السعودية أن اللغة العربية أصبحت تنافس الآن علي المركز الثلاثة الأولي في الانتشار بعد أن كانت تحتل المراكز الأخيرة.. مؤكداً أن أكبر خدمة للغة العربية هي التحدث بها.. وأنها ليست لغة المسلمين فقط.. ويجب أن نذكر أفضال العلماء المسيحيين والعلماء غير العرب ودورهم في خدمة اللغة العربية. سوف يحتفل معهد العالم العربي في باريس أيضاً بيوم اللغة العربية.. ويتحدث الدبلوماسيون بكلام منمق عن قيمة اللغة العربية ودورها في مسيرة الحضارة الإنسانية.. وتعد مكتبة الإسكندرية لاحتفالية وندوة علمية عن "تحديات العصر التي تواجه مستقبل اللغة العربية".. وسوف نستمع إلي العديد من البرامج الإذاعية والتليفزيونية التي ستحدثنا خلال الأسبوع عن "لغتنا الجميلة" ثم.. وماذا بعد؟! الحقيقة.. لا شيء أكثر من الاحتفالات.. ليس عندنا أية خطط أو برامج للعناية باللغة العربية.. القضية أساساً لا تشغل حيزاً في اهتماماتنا.. فواقعنا السيئ لم يترك لنا ترف الانشغال باللغة.. ناهيك عن أن عقدة الخواجة تدفعنا دائماً إلي التباهي بلغة الأجنبي وليس بلغتنا القومية.. كلما اعوج لساننا العربي واستخدمنا مفردات أجنبية كان ذلك علامة علي أننا أكثر تحضراً ورقياً وثقافة وعلماً. نحن الأمة التي ارتضت أن تهين لغتها التي هي أساس هويتها.. نهينها في مدارسنا وفي صحفنا ووسائل إعلامنا.. نهينها رسمياً حينما نتحدث بلغة الأجنبي علي أرضنا.. نهينها في الأفلام والمسلسلات حين نسخر من المتحدثين بها.. ونهينها حين نسخر من رموزها. الشيخ المعمم والمأذون ومدرس اللغة العربية. ونهينها حين تمتليء شوارعنا بالأسماء الأجنبية للمحلات.. فيخيل إليك وأنت تسير في أحد شوارعنا أنك تسير في عاصمة أجنبية غير عربية من كثرة اللافتات والإعلانات المكتوبة بلغات أجنبية.. أو مكتوبة بلهجة محلية غير مفهومة.. وهناك من يشجع اللهجات المحلية. وإذا نظرت في المناهج الدراسية والنصوص المقررة علي الطلاب سوف تكره هذه اللغة المتحجرة التي يقدمونها لأبنائنا.. وقواعد النحو والصرف المنفرة من كثرة ما فيها من تعقيدات لا تعكس جمال اللغة العربية وعذوبتها وأدبها المتفرد.. ويبدو لك أن الذين يضعون المناهج يتعمدون حمل الطلاب علي كراهة هذه اللغة بينما تبدو مناهج اللغة الإنجليزية والفرنسية سهلة وشيقة. وحتي أدباء العصر الذين يدعون الحداثة وما بعد الحداثة يستخدمون لغة غريبة علي أسماع الناس..وتراكيب لغوية صعبة وغير مفهومة.. تحول الشعر الجميل إلي طلاسم.. وتدمر أساليب العربية البليغة التي تستسيغها الأذن العربية. كل هذه المعاول تهدم أساسيات لغتنا الجميلة.. وتهدم معها الذائقة العربية.. فتباعد بين الشعب ولغته القومية بما يهدد الهوية والانتماء.. ويا لها من مفارقة.. أمة تهدم لغتها الحية الجميلة التي حملت تراث الحضارة الإنسانية لمئات القرون.. وأمم تحيي لغتها الميتة لتصنع لنفسها هوية وحضارة وتاريخاً. يقول مدير المرصد الأوروبي لتعليم اللغة العربية في باريس: أقول لمحبي الضاد في كل مكان إن تشويه اللغة العربية لغة الوحي والحضارة والعقل والعلم تعد من أكبر منكرات عصرنا.. ولقد طفت شخصياً بأرجاء كثيرة من العالم ولكنني لم أر أكثر اهمالاً واحتقاراً واستصغاراً من عرب اليوم للغتهم الفصيحة.. إن ذلك يعد انتحاراً ثقافياً لا مبرر له علي الاطلاق.. فالناس في البلدان العربية لا يَعُون خطورة الأمر لأنهم يعيشون خارج التاريخ في الوقت الحاضر.. ولو اعتبرنا ببعض مآسي الماضي ربما سيكون في ذلك عبرة.. فعلي سبيل المثال علي كل واحد من مضيعي اللغة العربية أن يعرف القانون الذي كان سارياً بعد سقوط الأندلس.. كان إذا سمع عربي أو بربري يتكلم العربية قُطع لسانه.. فذهبت اللغة بعد ذلك الجيل وذهب الدين والحضارة في تلك الربوع بذهاب اللغة. كثير من العرب اليوم يقطعون ألسنتهم بأيديهم.. وهذا هو الانتحار الثقافي الجماعي.