لم يعد سرا ذلك الشرخ الكبير الذي يضرب حركة "فتح" كبري الفصائل الفلسطينية التي يتزعمها محمود عباس "أبو مازن" رئيس السلطة المقيم في رام الله.. ويظهر هذا الشرخ مع أي كلام يتناول مرحلة ما بعد عباس.. وهو ما أصاب الرجل "أبو مازن" بحساسية مفرطة إزاء أي شخص يشار إليه باعتباره الخليفة من بعده. وقد نتج هذا الشرخ الكبير في "فتح" عن إحساس قوي لدي رئيس السلطة الفلسطينية بوجود رغبة إسرائيلية وأمريكية عارمة لتولي حليفه القديم محمد دحلان رئاسة فتح.. وبالتالي رئاسة السلطة من بعده.. أو لعله لمس رغبة الحكومتين في الاطاحة به وتولية دحلان رئاسة السلطة في وجوده.. من خلال انتخابات مصنوعة ومهندسة جيدا.. أو من خلال تنحي عباس بالتراضي.. أو ربما يكون الخيار الثالث انقلاب أبيض سلمي "انقلاب قصر" يتم فيه إبعاد الرجل الكبير "أبو مازن" ممثل الجيل القديم خارج رام الله أو خارج فلسطين كلها لينعم بأمواله الطائلة فيما بقي له من عمر علي وجه الحياة.. وافساح الطريق أمام دحلان ممثل الجيل الجديد. وما لمسه عباس لدي أمريكا وإسرائيل في هذا الاتجاه لمسه فيما بعد لدي بعض دول عربية واقليمية مستعدة للتضحية به بعد أن انتهي دوره ولم يعد لديه شيء يقدمه.. وليس لدي إسرائيل أي سبب يجعلها تتمسك به.. وقد صارت الظروف كلها مهيأة لدحلان ليقدم علي الخيارات الصعبة والتنازلات المؤلمة المطلوبة.. وساعتها ستعمل أجهزة الدعاية المعروفة عملها.. وتقدمه للرأي العام المحلي والدولي علي انه رجل السلام المنتظر. لهذا انقلب عباس علي حليفه القديم "دحلان" الذي يعمل مستشارا أمنيا في احدي دول الخليج.. وابعده تماما عن دائرة اتخاذ القرار في حركة فتح.. كان يفعل ذلك علي استحياء في البداية لكنه الآن يتحدي دحلان ومؤامرته والدول التي تقف وراءه بصوت جهوري ويرد دحلان بالهجوم الدائم عليه وتشويهه واتهامه بالفساد والمحسوبية والضعف.. والتفت حول دحلان مجموعات فلسطينية مؤثرة يغدق عليها بالمال ويعدها بالمناصب الرفيعة.. وهي في المقابل تأتمر بأمره وتنفذ له مخططاته. وهكذا انقسمت "فتح" بين معسكرين.. عباس ورجاله في ناحية ودحلان ورجاله في ناحية أخري.. ومازالت الحرب مستمرة بينهما بكل الأسلحة.. علنا وبدون مواربة.. ولما عقد المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط الذي يرأسه السفير محمد شاكر مؤتمرا بمدينة "العين السخنة" تحت عنوان "مصر والقضية الفلسطينية" شارك فيه وفد فلسطيني من 135 شخصا بينهم رجال لدحلان ثارت حفيظة فتح فانتقدت المؤتمر وزعمت انه كان غطاء للقاء الوطني الذي كان يخطط لاطلاقه دحلان.. واعتبرت المؤتمر تدخلا في الشأن الفلسطيني الداخلي. علي أن "فتح" ليست محصورة بين عباس ودحلان فقط.. فهناك تيار ثالث يطرح اسماء أخري لقيادة الحركة وقيادة السلطة في مرحلة ما بعد عباس.. وأهم هذه الاسماء وأشهرها مروان البرغوثي.. المناضل الذي يقبع حاليا في سجون إسرائيل.. والذي يتوقع له كثيرون أن يقود حركة المقاومة والتحرر الفلسطيني علي نفس النهج الذي سار عليه الزعيم نيلسون مانديلا في جنوب افريقيا. فقد تم طرح اسم البرغوثي أكثر من مرة لنيل جائزة نوبل للسلام لكن إسرائيل تقف له بالمرصاد.. مع أن كثيرين يتوقعون انه القادر علي توحيد "فتح" وتوحيد الفصائل المتناحرة.. وأن يكون شريكا قويا ومخلصا في بناء السلام الحقيقي.