بداية.. أهنئ الأمة الإسلامية عامة والشعب المصري والشعوب العربية خاصة بالعام الهجري الجديد الذي يحل علينا غدًا بإذن الله.. أعاده المولي علينا جميعاً بالخير والسلام والحب. وانطلاقاً من هذه المناسبة الكريمة.. أؤكد أن هناك فرقاً كبيراً بين تلك الهجرة العظيمة وأي هجرة غير مشروعة.. وخطأ فادح وغباء شديد المقارنة بينهما من كل الأوجه. الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه عندما اتخذ قرار الهجرة وترك مكة أحب البلاد إلي قلبه.. لم يكن قراره عشوائياً أو متسرعاً أو غير مدروس.. لا وربي.. بل كانت هجرته درساً في الصمود وزرع الأمل في النفوس واستنفاد كل الطرق لتبليغ الرسالة والأخذ بالأسباب متوكلاً علي الله.. وبطبيعة الحال فإن القرار موحي به من فوق سبع سماوات. لم يكن سهلاً علي سيدي وسيد الخلق أجمعين ان يترك مكة التي عاش بها واستولي فيها علي القلوب بصدقه وأمانته إلي أي مكان آخر.. لكن لم يكن أمامه سوي هذا الخيار الأصعب: * نشر الدعوة سراً في البداية بين المقربين منه وعاني والمسلمون الأوائل أشد معاناة من الكفار.. فكانوا يصلون في الخفاء.. ممنوع عليهم الطواف بالكعبة.. محظور عليهم الجهر بعقيدتهم وإلا لاقوا العذاب والهوان والاهانة التي لم تستثن أحداً منهم بمن فيهم الرسول ذاته.. وقد نزل في هؤلاء قرآن يتلي ويصلي به 5 مرات يوميا حتي يوم القيامة ومنهم أبو لهب وامرأته حمالة الحطب "سورة المسد" والوليد بن المغيرة "سورة القلم" وغيرهم. * عندما وجد صداً ونفوراً وعداء ما بعده عداء من أهل مكة خرج إلي الطائف يدعو أهلها للاسلام فلم يجد منهم سوي البغضاء والوقاحة وحرضوا عليه سفهاءهم يطاردونه ويقذفونه بالحجارة حتي جُرح جروحاً كثيرة وسال دمه الطاهر فأخذ يشكو إلي ربه حالته وما هو فيه ليس يأساً بل مخافة أن يكون المولي غاضبا عليه لتقصير في تبليغ الدعوة. * ورغم ازدياد بطش الكفار به وبأصحابه وبباقي المسلمين فقد سلك طريقا آخر لتبليغ الرسالة.. استثمر موسم الحج الذي يتجمع فيه الناس من كل فج عميق وأخذ يدعوهم للاسلام فكانت بيعة العقبة الأولي التي أسلم فيها 7 من انصار يثرب "المدينةالمنورة" الذين نشروا الدين بالمدينة فازداد عدد المسلمين وكانت بيعة العقبة الثانية في العام التالي.. السبعة اصبحوا سبعين وقيل 73 منهم ثلاث نساء. * حاول كفار قريش مساومة النبي وعرضوا عليه ان ينصبوه زعيما لهم ويمنحوه من المال ما يجعله اغناهم ويزوجوه ما يشاء من بناتهم.. فكانت اجابته الحاسمة إلي عمه: "ياعم.. والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري علي أن أترك هذا الأمر ما تركته حتي أهلك دونه". هنا تأكد الكفار انه لا حل مع النبي سوي التخلص منه واختلفوا في الطريقة.. رأوا انهم ان طردوه استمال قبائل العرب بمنطقه وحلو حديثه وان قتلوه عيروا بقتله وعاد بنو هاشم عليهم بالثأر.. واخيرا اختاروا من كل قبيلة شابا قويا ونسيبا وقرروا ان ينزل الجميع بسيوفهم علي النبي بضربة واحدة فيتفرق دمه بين القبائل ولا يقدر بنو هاشم علي محاربة كل العرب فيرضون بالدية.. إلا أن الله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون فأوحي اليه بالهجرة وكان ما كان من الخروج قبيل الفجر مع أبي بكر والاختباء في غار ثور ونسج العنكبوت نسيجه علي بابه ورقدت حمامتان فوق بيضهما مما يدل علي ان لا أحد دخل الغار أو خرج منه منذ فترة لييأس الكفار ويصل سيدي ونور عيني إلي المدينةالمنورة لتبدأ أولي خطوات بناء الدولة الإسلامية العظمي التي بدأت نواتها بالرسول ورجل واحد "أبي بكر" وسيدة "خديجة" أم المؤمنين رضوان الله عليها وطفل "علي بن ابي طالب". هذه هجرة نبوية انطلقت من دار كفر واضطهاد وسحق للانسانية ومع هذا فقد أخذ الرسول الكريم المحمي من رب العرش بكل الأسباب وكان لديه أمل في تغيير الواقع واصرار علي تبليغ الرسالة واستنفد من أجل ذلك كل الطرق ولم يكن هناك مفر من اتمامها.. أما الهجرات غير المشروعة فهي تنطلق اصلا من دار اسلام وأمان مما ينسف اسبابها واهدافها نسفا.. كما تتشكل من خلال فريقين: الأول.. سماسرة قلوبهم غلف ومستعدون لأن يقتلوا المئات بدم بارد من أجل المال. والثاني.. خليط من المقلدين واليائسين والمتواكلين والكسالي وكلهم لم يأخذوا بأي سبب من الأسباب.. ومن ثم فإن السماسرة غاصوا في اطماعهم والمهاجرون غرقوا في مشاكلهم وفي الفقر وتوابعه دون ان يجتهدوا.. الجميع نسوا الله فأنساهم انفسهم. أرجوكم.. لا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون.. لا تقارنوا بين الثري والثريا. هداكم وهدانا الله جميعا.