للمقالات وللحوارات وللتحقيقات مواسم ومناسبات.. ولكنني أرغب أن نرحل بعيداً عن موسم التهديدات من عصابة الإخوان التي تهدد بشئ كارثي في أكتوبر.. أو مناسبة غرق هذا العدد من المصريين الهاربين والذي يتكرر كل فترة وجيزة.. حتي وان كان العدد يزداد والمصيبة تصعب.. ولا أرغب في الحديث عن موسم دخول المدارس والفشل المبهر للسيطرة علي الطالب منذ اليوم الأول والصور التي ملأت شبكة التواصل الاجتماعي لأطفال تقفز من فوق السور. تعاولوا معي نرحل لبيروت وجبال لبنان هذا البلد الشقيق.. بل وبلفظ أدق وأكثر تعبيرا تعالوا معي حيث دلوعة الوطن العربي.. بشجر الأرز والصنوبر.. جبالها المبهجة.. بالمقاهي والمطاعم.. بالكنائس التي تسكن أحضان الجبال وتنثر الترانيم علي السهول.. بالمغارات التي نحتتها الطبيعة داخل بطون الجبال لتخبئ البهاء خوفا علينا من فتنتها.. هذا البلد الذي تفوق ليس في جمال طبيعته فقط.. بل في بهاء شعبه. لبنان التي صورتها الدراما المصرية فكانت الحفاوة بالمكان وهضمت حق الانسان هناك.. الشعب اللبناني ليس الفاتنات من بنات حواء اللائي برعن في الرشاقة والشياكة والجمال والبهاء.. ليس الشعب الراقص في الشوارع والمقاهي.. لبنان بها نفس أزماتنا .. لها مشاكل البطالة وخاصة مع رحيل مليوني سوري لأرضها فرارا من الحرب.. لبنان بها غلاء يفوق حالنا رغم تعدادهم الذي يمثل تعداد مدينة واحدة. لكنهم الشعب الذكي الذي يعرف أن السياحة هي مصدره الأول لجلب المال فعمل كل ركن في لبنان لجذبك نحوهم.. رغم صغر المساحة بالنسبة لنا وقلة الامكانيات.. لكنهم جميعهم لديهم القدرة يجعلوك راغبا في العودة مرات ومرات رغم الغلاء. البداية كانت معي من الطائرة عندما تم عرض الفيلم الارشادي لتعليمات السلامة والنجاة.. سافرت كثيراً ولم أر هذا الجمال الا علي طائراتهم.. فهو فيلم استعراضي لم يعتمد لا العري ولا الجمال المبهر وانما الذكاء وخفة الدم.. وأدعوكم للبحث عنه ورؤيته.. هم لم يقدموا امرأة صنم يبتسم بسمة صفراء تؤدي كروبوت.. بل فرقة استعراضية وفنان كتب سيناريو وروج لك مناطقهم السياحية البارزة في الفيلم.. قدم لك السلامة في ربوعهم ومن خلال بلادهم بفن يصعب وصفه. ومن بوابة عبور الجوازات ابتسامة ودفء اللقاء ومع السائق أنت تلقن بأفضل الأماكن لكل شئ الفسحة والأكل.. السهر.. التبضع.. النوم.. لديهم خبرة غير عادية.. وقد يأخذ منك الساذق مبلغا كبيرا بالدولار لنقلك ولكنك تدفعها سعيدا فقد حصلت منه علي ارشاد سياحي رائع كل هذه تغلفه الابتسامة اللبناني البهية.. شعب ذكي.. رغم وجود القمامة في بعض الأماكن والاهمال في بعض البنايات.. لكنهم لم يصلوا مثلنا لأن نعيش كشعب متعاملين مع البلد كصندوق كبير للقمامة. في لبنان رأيت المتسولين في الشوارع يمرون علي سيارك بالمناديل الورق.. الفارق انك ان لم تنظر اليهم لا يطرقون عليك زجاج السيارة ويجرون وراءها.. في لبنان هناك الجمال والبهاء الذي يجعلها بحق دلوعة الوطن العربي.. لكن الدلوعة التي احبها ترتكب كارثة تخرجها بعد برهة قصيرة من كونها تابعة للوطن العربي.. وهو عمود العلاقة الفقري.. اللغة.. فكل شئ في اللغة ممسوخ.. فقد كتبت العامية اللبنانية باللغة العربية مما جعل الفصحي تذوب وتتبخر وتحل محلها اللهجة الدارجة مع الفرنسية أو الانجليزية.. هذا التغريب جعلني أفكر في كيفية التدارك لتلك الجريمة الكبري هنا في مصر.. فمنذ قليل كنت احكم في مسابقة تشرف عليها وزارتا الشباب والثقافة ودار المعارف.. ووجدت اللهجة اللبنانية الدارجة تحتل سطور القصص المقدمة ولأنهم من الشباب أقصد المتسابقين ولأن الدراما التركية وغيرها مدبلجة باللهجة الشامية ظن البعض من عديمي الخبرة والجهلاء انه يمكنه الكتابة بها وليس في الحوار لدواعي النص.. بل كمتن للعمل.. كارثة صدرها جهل الاعلام المصري ووزارة الثقافة والمسئول عن انتشار الدراما التركية المدبلجة بهذا الشكل.. لذا أقول لكم.. أحب لبنان وأخاف عليها ولكنني أخاف علي مصر أكثر.. لتنقذوا مصر قبل ان ينفرط العقد ونتحول جميعنا لغربة اللهجات.. خذوا من لبنان ذكاء شعبها وقدرته الجذابة علي التعامل والتعايش ولا تستوردوا عيبهم الوحيد كشعب غير متمسك بلغته.