صدق أو لا تصدق!!! الحكومة التي تطالب المواطنين بحماية النيل. وتوقع المواثيق وتنشر مواد دعائية وإعلانية للحفاظ علي النيل من التلوث. هي نفسها الحكومة التي تلوث النيل. وتمتنع عن وقف الصرف الصناعي فيه. مما استلزم أن يلجأ المواطنون إلي القضاء لإجبارها علي اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تلوث النيل وحمايته. يقول الخبر المنشور في "الأهرام" يوم الأحد الماضي إن محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية "دائرة البحيرة" ألزمت محافظ البحيرة ووزراء الري والصحة والبيئة بوقف الصرف الصحي والزراعي والصناعي علي بحيرة ادكو وفرع النيل "ترعة المحمودية" الناتج عن مياه التبريد لمحطات الكهرباء دون إجراء المعالجة الكافية طبقاً للمعايير والمواصفات العلمية. وقضت المحكمة بقبول الدعوي المقامة من بعض أهالي البحيرة بإلغاء قرار جهة الإدارة بالامتناع عن وقف الصرف الصحي والصناعي والزرعي علي بحيرة ادكو وفرع النيل ترعة المحمودية لضرره بصحة الإنسان والأسماك والبيئة. وألزمت الجهة الإدارية بإجراء المعالجات اللازمة بالمعايير المطلوبة علي نفقة المخالفين. كما ألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات. وقالت المحكمة انه ثبت من التقارير الفنية ارتفاع تركيز الفينول والأمونيا عن الحدود المسموح بها وتركيز المعادن الثقيلة بما يضر بصحة الإنسان والأسماك والبيئة. المفارقة التي يحملها هذا الخبر تثير العديد من علامات الاستفهام وعلامات التعجب.. فالحكومة تنشط في دعوة الناس إلي حماية النيل. والحفاظ علي نظافته. لكنها تمتنع عن اتخاذ الإجراءات العملية الكفيلة بذلك. وتترك الأمر علي عواهنه. بل وتشارك مؤسساتها في حملة التلوث.. وهو ما استدعي أن يلجأ الناس إلي القضاء لإجبار هذه الحكومة علي القيام بواجباتها تجاه النيل وتجاه مواطنيها. هذه المفارقة بين الأقوال والأفعال هي أحد الأسباب الأساسية في نزع الجدية عن اية توجهات حضارية تتبناها الحكومة وتدعو اليها.. فالناس إذا رأوا الحكومة تفعل عكس ما تقول. أو علي الأقل تمتنع عن تطبيق الشعارات التي ترفعها.. سوف يصابون بالكسل واللا مبالاة. وغالباً سوف يقلدون الحكومة في عدم الاكتراث بالشعارات الرنانة.. والجرأة علي ارتكاب المخالفات. ولو بحثت عن جذور الكثير من مشاكلنا وأزماتنا المزمنة ستجد وراءها إهمالاً حكومياً وتقاعساً.. والمصيبة أن تكون الحكومة هي من ينتهك القانون ويخالف القواعد واللوائح.. وتكون بذلك نموذجاً سلبياً أمام المواطنين.. ما يجعلهم يتفننون في التهرب من اللوائح والقواعد. يبدو ذلك واضحاً في سيارات الحكومة التي تسير بلا لوحات معدنية. ولا تطبق شروط المرور وتسير عكس الاتجاه. وفي المباني الحكومية التي تتهرب من تطبيق معايير الأمن والحماية المدنية والمطافئ. وفي المصالح الحكومية التي تترك مصابيح الكهرباء مضاءة نهاراً بلا داع ولا تدفع الفواتير. ووسائل المواصلات الحكومية التي لا تحترم القواعد وتقف في المحطات المعروفة وتفضل الوقوف في عرض الطريق. وقطارات الحكومة التي لا تعرف ضوابط الوقت ولا تلتزم بمواعيدها أبداً. وموظف الحكومة الذي يخالف قواعد العمل بلا رقيب ولا يؤدي واجبه إلا إذا حصل علي الرشوة.. وهكذا. وطالما كانت الحكومة قدوة سيئة فلا فائدة من كل حملات الدعاية التي تدعو للإصلاح.. الحكومة يجب أن تبدأ بإصلاح نفسها أولاً ثم تقول للناس اقتدوا بي.. لابد أن تبدأ بنفسها في كل شئ.. ثم يأتي دور المواطن.