كنت حسنة الظن بالحكومة عندما طالبتها الثلاثاء الماضي بمساندة وزارة الزراعة في قرارها الخاص بعدم دخول واردات القمح المختلطة بفطر الإرجوت والذي يمثل خطورة علي الصحة النباتية لمحصول القمح وفقاً لدراسات وأبحاث للجنة رفيعة المستوي من علماء الزراعة والصحة النباتية. لكن رئيس الوزراء الذي سبق أن وافق علي قرار وزير الزراعة ما لبث إن تراجع عن موافقته تحت ضغوط لوبي مستوردي القمح الذين تعودوا علي استيراد نوعية من أسواق بعينها وبأسعار تحقق لهم أرباحاً وفيرة. ولم يبدوا أي استعداد لتغيير هذه الأسواق من أجل مصلحة الزراعة المصرية. فوفقاً لوزارة الزراعة هناك دول كثيرة تنتج قمحاً غير مصاب بفطر الإرجوت وكان يمكننا الشراء منها حتي لو كان السعر مرتفعاً بعض الشيء حفاظاً علي المصلحة العامة. لكن اختلاط الأوراق والملفات ودخول مصدري الحاصلات الزراعية لروسيا طرفاً في المعادلة وامتناع مستوردي القمح عن التقدم للمناقصات الحكومية. أجبر الحكومة علي الرضوخ لمطالب تحالف البيزنس. وكان للدولة لو أرادت أن تقوم من خلال هيئة السلع التموينية باستيراد القمح من الدول غير المصابة بالفطر. الغريب في الأمر أن الحكومة التي تبنت رأي لجنة العلماء حول مخاطر فطر الإرجوت وأصدرت قراراً بتطبيق مواصفة "زيرو إرجوت" هي ذاتها التي تدافع الآن عن قمح الإرجوت باعتباره غير ضار لصحة الإنسان مستندة إلي أن مواصفة ال 05.% إرجوت" مطبقة في عدد كبير من الدول. مما يثير القلق ان بعض علماء صحة النبات يرون غير ما تري الحكومة بخصوص مخاطر الإرجوت ومن بينهم الدكتور نادر نور الدين مستشار وزير التموين السابق الذي يحذر من تصريحات له من خطورة فطر الإرجوت. لسميته الشديدة علي الحوامل وتسببه في السرطان معللاً سماح الدول الأوروبية بدخول قمح الإرجوت بالنسبة التي تحددها مواصفة منظمة "الفاو" بأن مواطني أوروبا لا يستهلكون سوي 60 كيلو جراماً فقط في المتوسط. بينما يستهلك المواطن المصري نحو 3 أضعاف هذا الرقم. أي حوالي 182 كيلو جرام. لذا فهذه النسب من فطر "الإرجوت" غير مقبولة. مما يثير القلق أكثر أن ما يدخل البلاد من قمح أو غيره ليس بالضرورة مطابقاً للمواصفات المقررة والدليل علي ذلك أن وزير الصحة أكد من خلال بيان لمجلس الوزراء إلي أن عدد الشحنات التي دخلت مصر منذ عام 2011 لحساب هيئة السلع التموينية حتي شهر أغسطس 2016 بلغت "313" رسالة قمح. وأن عدد الرسائل التي كان بها نسبة إرجوت في حدود المسموح به عالمياً كان عددها "131" رسالة بنسبة 42% أي أن 58% من الرسائل كانت غير مطابقة لمواصفة ال .05% إرجوت.. ولا يقلل من خطورة ذلك تأكيد الوزير أن عينات القمح المعد للطحن بعد الغربلة والغسيل والتبخير. في ذات الفترة كانت خالية من الإرجوت. فنحن نعرف كم الفساد الذي يضرب تجارة القمح. السؤال هنا من سمح بدخول أكثر من نصف القمح المستورد طوال خمس سنوات وحتي أغسطس الماضي بالمخالفة للمواصفة الدولية؟!! ولماذا لم تتقدم الحكومة بأي إجراء لمحاسبة المسئولين عن ذلك خاصة والعديد من الرسائل المخالفة دخلت في عهدها؟!!!