من حق أسر ضحايا مركب الهجرة غير المشروعة أن يثوروا لفقد ذويهم. ويسبوا كل من تسبب في موتهم. ويلعنوا جميع من قلل من حجم الكارثة أو شمت في موت أحبائهم. من هنا.. أقول لجميع من تناول أو يتناول هذا الموضوع: كن "إنساناً" قبل أي شيء.. يجب أن تراعي حالة أم ثكلي وزوجة ترملت وطفل ابتلعته المياه أو أصبح يتيماً بلا عائل. تناولوا الكارثة بضمير حي لمنع تكرارها.. لكن لا يشمت أحد ويقول "يستاهلوا".. فكما أن لا شفاعة في الموت فإنه أيضاً لا شماتة فيه لأنه الحقيقة الوحيدة علي الأرض المعرض لها كل كائن حي. نريد نقداً موضوعياً وإجراءات حاسمة وحازمة ونصوصاً قانونية رادعة فعلاً تقتص من كل مجرم يضحي بأرواح البشر طمعاً في مال حرام.. ومن ثم.. فإن القانون الجديد لمكافحة الهجرة غير المشروعة إذا لم ينص فيه بوضوح علي أن تكون عقوبة من يدير هذه الهجرة هي المؤبد وتصل إلي الإعدام إذا تسببت في موت فإننا نكون بنهرج ولن نصلح شيئاً. لقد استوقفني تعبير صادم أطلقه أحد الناجين من الكارثة.. قال: "لو جاءتني الفرصة.. فسوف أسافر مرة أخري"..!!! وأنا بدوري أسأله: لماذا تصر علي أن تموت؟؟.. أليس هذا انتحاراً.. اعلم إجابته.. سيقول: هنا موت.. وهناك موت.. لكن.. إذا نجاني الله فسوف أعيش في الجنة..!!! للأسف.. هذا هو تصور وقناعة كل من يقدم علي الهجرة غير المشروعة.. أو هكذا يصور له "سفراء الموت" رحلته الأخيرة. يا ابني منك له.. الشغل موجود هنا وكثير جداً.. صدقني.. أنا لا أخدعك.. وأظن أن اللاجئين الموجودين في مصر خصوصاً من سوريا يعملون في مصر ويعيشون سعداء فعلاً وإذا لم تكن تصدقني.. اذهب بنفسك إلي مدينة 6 أكتوبر وكثير من المدن وبعض الأندية وسوف تراهم في محلات وكافيهات يديرونها.. المهم هو الإرادة والرغبة الحقيقية في العمل. سأضرب لك مثلين عندما كنا طلبة في الجامعة في حقبة السبعينيات من القرن الماضي.. حيث سافر كثير منا في اجازة الصيف إلي الخارج.. فماذا عملنا لكي نعيش علماً بأننا سافرنا بتأشيرات صحيحة وليس هجرة غير مشروعة وسافرنا بالطائرة وليس بمركب خردة مثل علبة السردين. * في فرنسا.. كثيرون عملوا في مزارع العنب.. وهي تعتبر مهنة جيدة إذا قارناها ببيع الصحف أو غسل الصحون في مطعم التي امتهنها آخرون.. ولأننا غير مسموح لنا أصلاً بالعمل فقد كان أصحاب المزرعة والمطعم وكذلك موزع الصحف يخبئوننا إذا داهمت الشرطة المكان.. الأهم.. أن المحصلة المالية في النهاية أننا كنا نقبض النزر اليسير لنأكل بها.. يعني "صفر" كبير ولا صفر المونديال. * في لبنان.. عمل كثيرون جداً في أسواق بيع الملابس وفي محلات المشروبات وغيرها من المهن التعبانة.. وكانت المحصلة أيضاً في النهاية.. أكل وشرب وأطقم ملابس عدنا بها ودمتم..!! يا من تريد الهجرة بمراكب الموت وتصر علي أن تنتحر.. إياك أن تعتقد أن أوروبا جنة وسوف يفتح لك رضوانها الأبواب علي مصراعيها.. لأ يا حبيبي.. أنت إذا لم تغرق في البحر ووصلت اليابسة بسلامة الله فسوف تجد الشرطة في انتظارك علي الشط لتقبض عليك وتحبسك ثم تعيدك ثانية إلي مصر مكبلاً بالكلابشات.. وإذا أفلت منهم فلن تجد عملاً.. وإذا كنت محظوظاً ووجدت العمل فسيكون "وضيعاً" جداً لا ترضي بأحسن منه في مصر وسيكون في السر لأن وجودك غير قانوني ولن يكفي دخلك منه إطعامك.. يعني خسارة في مصر وموت في البحر أو بهدلة ومهانة في أوروبا. لا تستمع للأسطوانة المشروخة التي يروجها المنتفعون من هجرتك أو الكارهون للبلد بأن مفيش شغل.. مصر بها منافذ عمل.. فقط اسع أنت وسوف تجد.. واترك الحياة لواهب الحياة ولا تتدخل في مشيئته بقرار مجنون. حفظ الله مصر وشعبها