يروي أن سعيد باشا الذي حكم مصر لمدة 9 سنوات من عام 1854 إلي يناير ..1863 كان لا يعرف قيمة النقود.. ينفق ببذخ واسفاف.. ولهذا أحاط به الأوروبيون والأفاقون من مختلف أنحاء أوروبا واستطاعوا أن يجمعوا الثروات الطائلة من خلال إدعاءات غير حقيقية بأن لهم قِبَل الحكومة المصرية استحقاقات مالية.. وحدث مرة أن تاجراً أوروبياً زعم أن بضاعته سرقت من متجره في إحدي القري المصرية وأقام دعوي علي أساس أن القرية مسئولة عن الحادث وأن الحكومة مسئولة بدورها عن الأمن في كل مكان في مصر.. وحصل بالفعل علي تعويض. ومرة أخري تقرر دفع 25 ألف فرنك لأحد النمساويين كتعويض بدعوي أنه أصيب في عينه أثناء مشاجرة مع حمَّار في القاهرة في حين أن الأطباء اعترفوا بأنه لا توجد إصابه في عينيه!! وهكذا ظل سعيد ينفق بغير حساب.. وكان الأجانب خصوصاً الأوروبيين يستنزفون الخزانة المصرية إما من خلال القناصل أو القضايا.. وكذلك التحكيم الدولي الذي كان يحكم لصالح الأجنبي.. مهما كان حقه أو عدم حقه في التحكيم والنتيجة أن الموارد المالية نضبت.. وبدأ سعيد في الاقتراض فاقترض 755.2 مليون جنيه بخلاف ديون أخري تزيد علي عشرة ملايين جنيه.. وأصبحت الخزانة شبه خاوية ولا تجد الحكومة مرتبات الموظفين وتفتق ذهن وزارة المالية عن أسلوب غاية في الغرابة إذ صرفوا أوراقاً هي تحويلات مالية تعد ديناً علي وزارة المالية. يحررها الموظفون ويسلمونها إلي الجهات التي يشترون منها احتياجاتهم سداداً لثمن طلباتهم.. أي أنهم يعملون ويتسلمون مرتباتهم علي "النوتة".. وهي تماثل إلي حد كبير كروت الائتمان التي تصرفها البنوك للجماهير أي أن الحكومة المصرية كانت سباقة في اختراع بطاقات الائتمان. ولكن الذي حدث أن التجار من جزارين وبقالين كانوا يحتشدون أمام أبواب وزارة المالية للمطالبة باستحقاقتهم المالية الناتجة عن هذه التحويلات والحكومة عادة تقف عاجزة أمامهم لأن خزانتها خاوية. وكأن التاريخ يعيد نفسه.. وبينما سعيد باشا تسبب في إفلاس الخزانة المصرية واعطاء الفرصة إلي من يدعون بأن لهم حقوقاً بالاتجاه إلي التحكيم الدولي. تسبب النظام السابق في جعل الكثيرين يلجأون إلي التحكيم الدولي والحصول علي تعويضات بالملايين مثل "أرض طابا" .