كشفت أزمة وزير التموين المستقيل د. خالد حنفي وجود طبقة من الوزراء مازالوا يتعاملون مع المنصب الوزاري باستعلاء واستخفاف.. لا ينم عن إدراك بالمسئولية وما يترتب عليها من مساءلة ومحاسبة.. ويرون أنفسهم فوق أي مساءلة.. لأنهم ضحوا كثيرا عندما قبلوا بالمنصب الوزاري خدمة للوطن والمواطنين. هؤلاء المسئولون مازالوا يتعاملون بمنطق العمدة القديم الذي يقول لأهالي القرية عند كل أزمة: ¢احمدوا ربنا أني رضيت أن أكون عمدة وشايل همكم¢.. وطبعا لا أحد يجرؤ علي مراجعة العمدة أو محاسبته. دعك من أزمة فساد صفقات توريد وتخزين القمح.. وعدم المصارحة في أزمة الإقامة في فندق فاخر.. القضية التي أطرحها تتعلق بالمنطق الذي تعامل به الوزير مع الرأي العام.. والتصريحات الاستعلائية التي دأب علي إعلانها. عندما بدأت بوادر الأزمة ظهر د. خالد حنفي يتحدث بمنطق غريب.. بمنطق أنه ضحي كثيرا وخسر كثيرا عندما قبل منصب وزير التموين.. وأنه كان يفضل موقعه الأكاديمي الذي كان يدر عليه دخلا أكبر.. وأنه تعرض لظلم شديد وحقه عند ربنا.. لكنه واثق في نفسه.. فلا إقالة ولا استقالة.. والمنصب أصبح عبئا وهما ثقيلا.. ولا أحد يستطيع أن يحاسبني علي فواتير الاقامة.. فلوسي وأنا حر فيها. هذا المنطق كان يجب أن ينتهي في مصر منذ زمن بعيد.. خصوصا إذا كان الوزير استاذا جامعيا يعرف جيدا أن السلطة يقابلها مساءلة ومحاسبة.. وأن منصب الوزير شرف كبير لمن يتولاه.. وأنه لابد سوف يسأل عما يفعل.. ومن حق الرأي العام والبرلمان والصحافة أن تسأله ومن واجبه أن يرد يطرح الحقائق بكل شفافية وأن تكون ردوده مقنعة. لا يكفي مثلا أن يقول ربنا يحاسبني.. وربنا عالم بما أبذله.. هذا منطق المتهرب من الحقيقة.. ففي دولة المؤسسات لابد من الرقابة الدائمة للمسئول ومحاسبته. لقد سمعنا كثيرا عن وزراء قالوا إنهم لا يتقاضون مرتباتهم.. ولا يكلفون خزينة الدولة مليما.. لأنهم ليسوا في حاجة إلي هذه المرتبات.. ثم اكتشفنا أن الفساد الذي تركوه وراءهم أكبر كلفة من مرتباتهم.. ليتهم حصلوا علي المرتبات وتعاملوا كوزراء مسئولين وليس كعمد القري القديمة. المسئول الكبير.. والوزير في بلادنا لابد أن يكون قدوة في مسألة سلامة ذمته المالية وسلامة قراراته.. وأن يتعامل في ذلك بشفافية كاملة.. ولو أن هذه الشفافية كانت موجودة لما ثارت الأقاويل ضد هذا المسئول أو ذاك.. والسؤال مشروع في مواجهة كل صاحب منصب عام.. وعليه أن يوضح الحقائق سلفا في كل تصرفاته.. خصوصا ما كان متعلقا بأمور غير مألوفة مثل الاقامة في فندق فاخر يدفع فيه شهريا آلاف الجنيهات. دعوني أنقل لكم هذه الواقعة من مقال للأستاذ صلاح منتصر بالأهرام في 24 أغسطس الجاري يقول فيه: قبل عام سجل أحد المصورين صورة لرئيس وزراء بريطانيا السابق ديفيد كاميرون في مكتبه وقد ظهرت خلفه ماكينة لصناعة القهوة لم تكن موجودة من قبل.. وسرعان ما تردد الكلام بشأنها.. فما كان من رئيس الوزراء إلا أن بعث إلي الصحف فاتورة شرائها من جيبه الخاص بتاريخ كذامن محل كذا.. فخرست الألسنة. هل عرفنا ماذا يعني المنصب عندهم وعندنا؟.. هل عرفنا لماذا تتزايد الشائعات عندنا ولا تجد الألسنة هناك شائعات تعيش عليها؟ هل عرفنا لماذا يتقدمون ولماذا نتأخر؟!