أخيرا.. وبعد أربعة أيام من قيام إسرائيل بأكثر من 50 غارة جوية علي غزة أصدرت جامعة الدول العربية بيانا سريا خجولا لم يسمع به أحد لإدانة الغارات... وحرصت علي أن يصاغ بألطف الكلمات والعبارات.. حتي لا يغضب صديقنا نتنياهو.. ويتأكد من أن هدف البيان هو إبراء الذمة وتسجيل الموقف لا أكثر.. بينما التزمت منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة الصمت الرهيب. يقول البيان الخجول إن الجامعة العربية تدين العدوان الإسرائيلي المتواصل علي الشعب الفلسطيني.. خاصة الغارات الأخيرة التي استهدفت مناطق متعددة في قطاع غزة.. بالإضافة إلي حصارها المستمر لشعب غزة.. وهو ما يستدعي من المجتمع الدولي التحرك أمام هذا التصعيد الإسرائيلي المستمر. هذا البيان الخجول التعيس البئيس لم تهتم به وسائل الاعلام كالعادة.. لأنه يسيء إلي الجامعة العربية بأكثر مما يبرئ ذمتها.. والصحف التي نشرت جزءا يسيرا منه وضعته في زاوية بعيدة غير مرئية حتي لا تخدش حياء قرائها. لم يتضمن البيان - كما تري - كلمة واحدة عن رد فعل عربي.. وإنما اكتفي بدعوة المجتمع الدولي إلي التحرك أمام التصعيد الإسرائيلي المستمر.. لكن المجتمع العربي ثابت علي موقفه لن يتحرك.. ومن ثم فقد أخذ البيان علي أنه رسالة طمأنة لإسرائيل أكثر من كونه تعبيرا عن الشجب والإدانة. وعلي كل حال فإن موقف الجامعة العربية كان أفضل من مواقف الدول العربية ذاتها التي لم يسمع لها صوت.. لم يصدر بيان من عاصمة عربية يعترض أو يدين أكثر من 50 غارة إسرائيلية علي غزة أدت إلي تخريب المباني والمزارع وقتلت وأصابت العشرات من الشعب الفلسطيني دون كلمة إدانة أو مجرد اعتراض بأي وسيلة. وكم كان مؤلما أن يأتي هذا العدوان الإسرائيلي علي غزة بينما وزير الخارجية المصري سامح شكري يصرح بأنه لا يمكن وصف الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني بالإرهاب دون إجماع دولي.. وكأن الاجماع الدولي سوف يتحقق من تلقاء نفسه.. وليس عن طريقنا نحن.. وليس بجهدنا نحن.. وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لقضية الشعب الفلسطيني الشقيق.. بصرف النظر عن أية خلافات أيديولوجية أو سياسية مع هذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك. ان القضية الفلسطينية وقضية شعب غزة هي بالنسبة لمصر وللعرب والمسلمين أجمعين قضية ضمير وقضية أمن قومي.. وسوف ندفع ثمن الصمت والنكوص إذا نجحت إسرائيل - لا قدر الله - في التهام كافة الأراضي الفلسطينية وتجبرت واطلقت ذراعها خارج حدود فلسطين. لم يتوقف العدوان الإسرائيلي علي الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية يوما واحدا.. وقبل الغارات الأخيرة بيومين كانت الذكري 47 لحريق المسجد الأقصي في 21 أغسطس 1969.. متواكبة مع اقتحام أعداد من المستوطينين الإسرائيليين والحاخامات ساحة الحرم الشريف في حراسة الشرطة الإسرائيلية المدججة بالسلاح.. بينما يمنع الفلسطينيون من الصلاة في أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. للأسف.. نحن نعيش مرحلة خيبة الأمل العربي.. حيث لا حديث عن المواجهة والصمود ورد العدوان.. ولا حتي الشجب والإدانة.. وإنما هناك أحاديث عن "سلام دافئ" و"تطبيع مجاني" و"تحالف إسرائيلي إسلامي معتدل". إسرائيل نشطة جدا في الاستيطان وتهويد القدس وضرب غزة ومصادرة الأراضي المحتلة.. ثم تدير وجهها لتستقبل وفودا عربية باسم السلام المزيف الذي تريد فرضه علي المنطقة بأسرها.. يا لها من مأساة.