الدكتور خالد عمران أمين الفتوي بدار الإفتاء المصرية من العلماء الذين يتميزون بالوسطية والفكر المعتدل فله آراء جريئة في العديد من الفتاوي التي تم إطلاقها من دار الإفتاء المصرية وأثارت الجدل في الرأي العام مثل فتوي جواز إفطار طالب الثانوية العامة وأن الإسلام السياسي هو السبب في نشر الإلحاد في مصر وأن القروض حلال لأنها في حقيقتها استثمارات وتمويلات وغير ذلك من الفتاوي التي لاقت صدي لدي المسلمين. التقينا د. عمران وسألناه: * باعتبارك أمينا للفتوي ما هي المواصفات التي يجب أن يتميز بها المفتي؟ وهل يعتبر كل فقيه بالشرع مفتيًا؟ ** الفتوي تمثيل حكم الله سبحانه وتعالي علي واقع الناس.. بمعني يأتي السائل ويستفهم عن الحكم الشرعي في مسألة معينة.. فالحكم الشرعي هو حكم الله والمسألة المعينة هي واقع الناس الذي يتنوع فهناك مسائل شخصية وأخري اجتماعية وسياسية وغيرها إذن فالمفتي يجب أن تكون لديه أدوات يستطيع من خلالها أن يقوم بوظيفته بطريقة علمية متخصصة.. لابد أن يكون لديه نوعان من المعارف التي تعينه علي حكم الله سبحانه وتعالي.. الأولي نسميها المعارف الشرعية وهي المعرفة بالكتاب والسنة وأقوال الفقهاء ومسائل العلم وقواعد اللغة العربية.. كل هذه من المعارف الأساسية التي يجب أن يلم بها المفتي. أما بالنسبة للنوع الثاني من المعارف فهو المعرفة بالواقع فلا يجوز أن نفتي لأهل زمن بفتاوي زمن آخر.. ومن مشاكل الفتوي أن يأتيك أهل بلد فتفتيهم علي حال بلد آخر.. فجزء من الفتوي يتعلق بالأشخاص والزمان والمكان والأحداث.. لذلك يجب أن يكون المفتي ملما بواقع بلده.. ومن هنا فإن ليس كل من هو محيط بفقه الكتاب يستطيع أن يفتي وهذا أحد الأخطاء التي يقع فيها الكثيرون ممن يتلقون العلم بطريقة غير صحيحة ومتخصصة فالإفتاء عملية مركبة من الإبداع والتفكير ولذلك نحتاج إلي ما نسميه فقه الواقع. * ما الشروط التي يجب أن تتوافر في المفتي؟ ** أول شرط أن يكون عالما بالأحكام الشرعية جيدا وعلي منهجها الصحيح ومن أهم الأمور أن يكون متصلا بالسرد أي متخصصا وليس كالنبتة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يعني مثلا كثير من هؤلاء الذين يتحدثون في وسائل الإعلام قليل منهم هو المتخصص وهو المتنقل لمعارف الإفتاء بصورة صحيحة.. وكثير من هؤلاء الذين يمتلكون ناصية الفضائيات يظهرون بمظهر جيد ويقدرون علي ما يسمي بالمهارات علي التوصيل لكن القليل منهم هو الذي له الحق أن يتكلم في قضية الإفتاء.. الإفتاء قضية أخري غير الوعظ والدعوة هذا أول مؤهل للمعرفة بالأحكام الشرعية. ثانيا المعرفة بواقع الناس وهذه من الدراسات التكميلية للإفتاء فلابد أن يكون المفتي ملما بشيء من الاجتماع ووسائل التواصل والمواصلة ومن علم النفس لأن المستفتي في النهاية إنسان ومعني ذلك أنه معقد بقدر تعقيد النفس الإنسانية فلابد أن يكون المفتي لديه إلمام بعلم النفس والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية.. كذلك أحيانا أضطر إلي التعرف علي العلوم الكونية مثل الفيزياء والكيمياء لأنه يأتي سؤال عن مشروب مثلا هل هو حلال أم حرام.. ولكي أحدد هل هذا المشروب مسكر أم لا أحتاج إلي تحليله رغم أنني لا أحلله لأنني لست متخصصا في هذا إنما علي الأقل يكون عندي ألف باء دراية والخطوة التالية أنني أحيله إلي المختص مثلما فعلنا في دار الإفتاء المصرية حيث قمنا بتوقيع برتوكولات تعاون مع جهات مختصة كمركز الأبحاث الاجتماعية والطب الشرعي. * مع انتشار الفضائيات وفوضي الفتاوي في وسائل الإعلام المختلفة كيف نستطيع أن نميز بين ما إذا كانت الفتوي صائبة أم لا ومن المسئول عنها؟ ** أولا لابد أن نفرق بين ما يحدث هل هي فوضي فتاوي أم فوضي متفاتين.. هل الذي تسمعه في وسائل الإعلام فتاوي حقا؟ إذا كانت فتاوي فالفتوي علم والعلم لا يكون فيه فوضي وإنما هي فوضي متعالمين يعني بعض الناس يلبس زي العلم أو يتحرك بحركات أهل العلم وهو ليس كذلك لأنه ليس متخصصا وهنا تأتي الفوضي عندما يظهر ويتكلم غير المتخصص ومن يتكلم في غير تخصصه أتي بأعاجيب.. ولو أن الإفتاء يسير في طريق صحيح من سيخرج يتحدث للناس سيميز بين المسائل التي يصح فيها الاختلاف ونحن لا ننكر هذا أو أنه موجود في الدين لأن الاختلاف موجود منذ زمن فالشافعي اختلف مع أبي حنيفة واختلف الاثنان مع مالك وهكذا إنما يعرف المفتي أن هناك منطقة لا يحسن فيها الاختلاف خصوصا عندما يتسبب كلام المفتي في حدوث أزمة خاصة لما يطلق فتوي تنال من دم إنسان أو عرضه أو تهز اقتصاد بلد أو تتسبب في كوارث. * البعض يطالب بقصر الفتاوي علي العلماء الذين يحملون إجازة من مجمع البحوث الإسلامية.. هل تؤيدون ذلك؟ ** نحن نؤيد أي إجراء سيجعل الإفتاء قضية علمية متخصصة يعني المفتي الذي يفتي يكون عالما متخصصا في الإفتاء وتكون له إجازة من جهة مسئولة ونحن هنا لا نفرض جهة معينة بل تكون جهة معتمدة لإعطاء الإجازة مثل دار الإفتاء والأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية كلها جهات وارد التعاون بينها جميعا بالحوار والاتفاق. الخطبة المكتوبة * هل تري أن الخطبة المكتوبة في صالح تجديد الخطاب الديني أم العكس؟ ولماذا ؟ ** موضوع الخطبة المكتوبة تقريبا فُصل واتفقت الجهات كلها علي آليات تدريب العالم والحقيقة أن هذا الموضوع في غاية الأهمية وهو ما سيعيد تجديد الخطاب الديني والمتصدر للخطاب الديني متدرب علي التعاون مع الشرع الشريف والعلوم الشرعية وعلي القضايا التي يثيرها خصوصا المتطرفين والبعيدين عن الدين ومتدرب جيدا علي التواصل مع الناس وعنده ما يسمي في الأدبيات الحديثة مهارات التواصل جيدا" أو متدرب علي التعامل مع العلوم والأجهزة المعاصرة إذا كان المفتي أو إمام أو واعظ عنده هذا التدرب الجيد فأنت عندئذ علمته قبل أن يصيد كيف يمسك السنارة وهذا هو السر في تجديد الخطاب الديني والتواصل مع الناس. * إذن تؤيد رأي الأزهر وهيئة كبار العلماء في رفض الخطبة المكتوبة؟ ** طبعا ولابد من احترام رأي هيئة كبار العلماء. * هناك من يشعل الفتن بين الأزهر والأوقاف.. ما دور الإفتاء في هذا الصراع ؟ ** ما يهدئ الفتن أننا تخصصات وإذا التزم كل شخص باختصاصه مع قواعد المنهج الأزهري فلن يكون بيننا وبين أي مؤسسة دينية تنافر فنحن متكاملون في مؤسسة دينية واحدة ولذلك فدار الإفتاء ملتزمة بوظيفتها ودورها وتخصصها.. وبالتالي الالتزام في التخصص هو الكفيل بإقامة التكامل وتلافي أي صراع. * كيف يمكن نشر مبدأ الوسطية في المجتمعات الإسلامية؟ ** بالتعليم.. فلو أردنا أن نقصرها علي كلمة واحدة تكون التعليم الجيد الصحيح.. وهنا ليس المقصود منه تعليم المدارس فقط وإنما التعليم بمفهومه الواسع الذي يبدأ بالمدرسة ثم وسائل الإعلام والتعليم المستمر الذي نسميه ما بعد المدرسة والتعليم الذي سيكفل الخطاب الذي يزيد عقول الشباب ويعيد الوسطية وهكذا.. وبقية الأدوار يجب أن تفعل بطريقة جيدة كالرياضة والأدوار الاجتماعية كتحضير الشباب وكلها أمور متكاملة ولكن السر في التعليم. تجديد الخطاب الديني * كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن ضرورة تجديد الخطاب الديني فما السبيل لتحقيق ذلك ؟ ** معني تجديد الخطاب ألا نهجر الثوابت وإنما نعيد النظر فيها مرة أخري وهذه هي رسالتنا التي نؤديها ونعرف إذا كانت تصل إلي الناس أم لا فإذا وصلت هل هي تلبي احتياجات الإنسان أم لا هل تخاطب عقله وروحه وجسده أم تخاطب إحداها فقط أم لم تخاطب أيا منها؟ الحقيقة نحن مقصرون في تأدية هذه الرسالة بصفة عامة ولا نؤديها بالصورة التي ترضي الله سبحانه وتعالي وذلك لسببين أساسيين الأول أن الأسئلة كثيرة لدي عقول الناس والتي ظهرت من واقع العصور التي نعيش فيها ولا يتم الإجابة عنها بصورة مشبعة فيوجد شباب مطلع علي الثقافات بسبب الانترنت والفضائيات ظهرت له أسئلة غير معهودة هذه الأسئلة نحن مطالبون أن نجيب الناس عنها لأنه لا يوجد لدينا محرمات في البحث ولا يوجد حاجب عن السؤال.. السبب الثاني أن نستحدث وسائل التواصل مع الناس.. فهناك الكثير من وسائل التواصل تهجم علي عقولهم ووجد أنها لابد من أن تستحدث هذه حتي تلبي احتياجات التواصل معهم. * هل يمكن تنقية كتب التراث من الشوائب العالقة بها أم أن التحدث في هذا الموضوع خط أحمر لا يجب الاقتراب منه؟ ** أبدا.. فنحن صار لنا في هذا الموضوع أكثر من 200 سنة وأنا كنت أدرس في كلية أصول الدين مادة تسمي "الدخيل" وهي الشوائب التي دخلت علي كتب التفسير والحديث ودرسنا كيف ننقي هذه الكتب.. فلا توجد خطوط حمراء بالنسبة لكتب التراث إلا خط يقول إن الذي يجب أن يتكلم هو من يعرف ويأخذ الموضوع باجتزاء. الطلاق الشفوي * ظهرت في الآونة الأخيرة دعاية تقول إن الطلاق الشفوي لا يقع.. فما رأيك في هذا؟ ** هذا الموضوع جاري البحث عنه في هيئة كبار العلماء لكن أنا لي رأي فنحن ننظر نظرة من حيثية معينة عندما نظرنا في هذه الدعاوي المطلوبة فنحن من خلال المعهود لدي الإفتاء نقول لماذا يا من تريدون أن تجعلوا الطلاق الشفوي لا يقع فقالوا لنا حالات الطلاق ارتفعت جدا وأصبحت 40% من حالات الزواج الحديث كما أصدر ذلك مركز البحوث الاجتماعية المصري فنحن قلنا لهم إن ارتفاع حالات الطلاق ليس في الشفوي وإنما في الطلاق الموثق الذي عند المأذون وأنك تقول إن الزواج لا يقع إلا إذا كان موثقا لتحل المشكلة.. ثم إن هناك شيئا آخر وهو أن القانون المصري ينص علي أنه إذا وقع من الزوج طلاق فإنه يجب عليه أن يبادر إلي توثيق هذا الطلاق في مدة قدرها تقريبا شهر فالطلاق الشفوي لابد أن يوثق.. فلا معني لهذه الدعوة ولكن علي العموم الدعوة تدرس في هيئة كبار العلماء وسوف يتم البت فيها قريبا. * ألم تبد دار الإفتاء رأيها في الطلاق الشفوي؟ ** دار الإفتاء سارية علي ما هو عليه فهي تقول إن الأصل في الطلاق هو إنه لفظ يحقق إذا كان واقعا فسوف يقع الطلاق وهذا لم يتغير منذ إنشاء دار الإفتاء. * ولو أجازت هيئة كبار العلماء بالإجماع أن الطلاق الشفوي لا يقع.. فهل تلتزم به دار الإفتاء ؟ ** نحن لا نريد أن نستبق الأحداث فدار الإفتاء ستلتزم بقرارات هيئة كبار العلماء فهذه هي الآلية التي تعمل بها دار الإفتاء.