ننشر جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني لصفوف النقل والشهادة الإعدادية بالبحيرة    نيجيريا تعتزم السماح بتداول 20% من إنتاج النفط في البورصة للمرة الأولى    لماذا تختار إسرائيل توجيه المسيرات إلى الهجوم على أصفهان؟    الكونفدرالية، جوزيه جوميز يعلن قائمة الزمالك لمواجهة دريمز الغاني    عمر مرموش يقود هجوم فرانكفورت أمام أوجسبورج في الدوري الألماني    النيابة العامة تحيل عاطلا للجنايات بتهمة سرقة مليوني جنيه بالقاهرة    الاستماع لأقوال شهود العيان في مصرع عامل وإصابة زميله داخل مصنع لإنتاج المخلل بالبدرشين    جعلنا نحب مهنة التمثيل.. عمرو يوسف ينعى صلاح السعدني    انطلاق ليالي العرض المسرحي "الحياة حدوتة" ببورفؤاد    طارق البرديسى: الفيتو الأمريكى تأكيد على سياسة واشنطن الجائرة ضد فلسطين    الهنود يبدءون التصويت خلال أكبر انتخابات في العالم    ولاية ألمانية تلغي دعوة القنصل الإيراني إلى حفل بسبب الهجوم على إسرائيل    تسجيل أول سيارة بالشهر العقاري المتنقل في سوق بني سويف    وزير الاتصالات يشهد ختام فعاليات البطولة الدولية للبرمجيات بمحافظة الأقصر    أخبار الأهلي : حقيقة مفاوضات الأهلي للتعاقد مع لاعب البنك فى الصيف    وزيرا خارجية مصر وجنوب أفريقيا يترأسان أعمال الدورة العاشرة للجنة المشتركة للتعاون بين البلدين    محافظ أسيوط يوجه الشكر لاعضاء اللجنة النقابية الفرعية للصحفيين بالمحافظة    الحماية المدنية تسيطر على حريق في «مقابر زفتى» ب الغربية    إخماد حريق بمخزن خردة بالبدرشين دون إصابات    "التعليم الفني" يكشف تفاصيل انطلاق مشروع "رأس المال الدائم"    ضبط لص الدراجات النارية في الفيوم    مطار مرسى علم الدولي يستقبل 149 رحلة تقل 13 ألف سائح من دول أوروبا    11 جامعة مصرية تشارك في المؤتمر العاشر للبحوث الطلابية بكلية تمريض القناة    صلاح السعدنى.. موهبة استثنائية وتأثير ممتد على مدى نصف قرن    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    دعاء يوم الجمعة قبل الغروب.. أفضل أيام الأسبوع وأكثرها خير وبركة    وزير الصحة يتفقد المركز الإفريقي لصحة المرأة ويوجه بتنفيذ تغييرات حفاظًا على التصميم الأثري للمبنى    محافظ الإسكندرية يدعو ضيوف مؤتمر الصحة لزيارة المعالم السياحية    عمل الحواوشي باللحمة في البيت بنفس نكهة وطعم حواوشي المحلات.. وصفة بسيطة وسهلة    6 آلاف فرصة عمل | بشرى لتوظيف شباب قنا بهذه المصانع    حماة الوطن يهنئ أهالي أسيوط ب العيد القومي للمحافظة    مؤتمر أرتيتا: لم يتحدث أحد عن تدوير اللاعبين بعد برايتون.. وسيكون لديك مشكلة إذا تريد حافز    إسلام الكتاتني: الإخوان واجهت الدولة في ثورة يونيو بتفكير مؤسسي وليس فرديًا    من بينهم السراب وأهل الكهف..قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024    إعادة مشروع السياحة التدريبية بالمركز الأفريقي لصحة المرأة    رجال يد الأهلي يلتقي عين التوتة الجزائري في بطولة كأس الكؤوس    بالإنفوجراف.. 29 معلومة عن امتحانات الثانوية العامة 2024    جامعة القاهرة تحتل المرتبة 38 عالميًا لأول مرة فى تخصص إدارة المكتبات والمعلومات    «التحالف الوطني»: 74 قاطرة محملة بغذاء ومشروبات وملابس لأشقائنا في غزة    وفاة رئيس أرسنال السابق    "مصريين بلا حدود" تنظم حوارا مجتمعيا لمكافحة التمييز وتعزيز المساواة    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 4 مجازر في غزة راح ضحيتها 42 شهيدا و63 مصابا    القاهرة الإخبارية: تخبط في حكومة نتنياهو بعد الرد الإسرائيلي على إيران    شرب وصرف صحي الأقصر تنفى انقطاع المياه .. اليوم    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    انطلاق 10 قوافل دعوية.. وعلماء الأوقاف يؤكدون: الصدق طريق الفائزين    الكنيسة الأرثوذكسية تحيي ذكرى نياحة الأنبا إيساك    العمدة أهلاوي قديم.. الخطيب يحضر جنازة الفنان صلاح السعدني (صورة)    "التعليم": مشروع رأس المال الدائم يؤهل الطلاب كرواد أعمال في المستقبل    خالد جلال ناعيا صلاح السعدني: حفر اسمه في تاريخ الفن المصري    استشهاد شاب فلسطينى وإصابة 2 بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم نور شمس شمال الضفة    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    استشهاد شاب فلسطيني وإصابة اثنين بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم "نور شمس" شمال الضفة    ضبط 3 عناصر إجرامية بحوزتهم حشيش وأسلحة نارية ب 2.2 مليون جنيه    ليفركوزن يخطط لمواصلة سلسلته الاستثنائية    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحديات الأمن القومي

لاشك ان مصر تعيش في تلك المرحلة الحرجة من تاريخها فترة انتقالية بالغة الخطورة.. فترة تحول جذري من حالة الهياج الثوري والتهاب المشاعر لكثير من فئات الشعب تحت وطأة العديد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المتراكمة عبر عشرات السنين.. إلي محاولة جادة من النظام الجديد الذي أفرزته ثورة 30 يونيو لتثبيت دعائم الدولة وتقوية ركائزها والابتعاد بها عن منطقة الرمال السائبة التي كانت تقف عليها وأوشكت ان تغوص فيها.. وفي مسار هذا التحول.. وفضلاً عن التهديدات والتحديات الثابتة التي تشكلها العدائيات الخارجية المتعارف عليها والمرصودة إقليمياً ودولياً في المنظورين السياسي والعسكري.. تبرز في الوقت الراهن العديد من التحديات الداخلية التي تشكل تهديداً مباشراً لمصر.. وتؤثر تأثيراً ضاراً علي مسيرتها التنموية لتحسين سبل الحياة فيها.. ويستوجب الامر التعامل مع تلك التحديات بدرجة من الاهتمام والجدية تناسب خطورة كل منها ومدي تأثيره علي أمن واستقرار الدولة المصرية.
ويأتي علي رأس تلك التحديات الحرب علي الارهاب.. فهي مقرونة بالأمن والاستقرار الذي هو عماد الدولة في الحفاظ علي وجودها وكيانها.. حيث يمثل الامن والاستقرار البيئة الضرورية لتنفيذ سياسات الدولة ومشروعاتها وحل مشكلاتها الداخلية في أجواء مناسبة.. كما وأنه مرأة تنعكس علي تعاملات الدولة الخارجية.. وتكمن خطورة الارهاب في وقتنا الراهن كونه قد أصبح مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً قائماً علي تبادل المصالح والمنافع بمصادر دولية رسمية وغير رسمية توفر له الايواء والتمويل والتسليح التقني المتطور.. والتدريب الراقي والتخصصي.. والتخطيط والتوجيه الاحترافي من قبل حكومات وأجهزة مخابراتية كبيرة.. ومافيا متعددة الانشطة تتبني تلك العناصر وتقدم لها التسهيلات اللازمة.. وتزودها بكافة احتياجاتها لاحداث الارباك والفوضي المطلوب إحداثها في دولة ما أو منطقة بعينها.
ولقد شهدت مصر خلال الاعوام القليلة الماضية عمليات ارهابية متعددة ومتنوعة تركز غالبيتها في سيناء وقليل منها في اتجاه الغرب وفي البؤر الكامنة بالكثافات السكانية.. وتتمثل خطورة الارهاب في سهولة اختلاطه بالسكان واندماج عناصره في الحياة الطبيعية.. وصعوبة اكتشافهم مالم يعلنوا عن انفسهم قولاً أوفعلاً.. ويتسم الارهاب بالقدرة علي توسيع حركته وتنوع انشطته وتلونه بما يمكنه من الانتشار والتغلغل في المجتمع.. كما تتسم عملياته بشدة وقعها وتأثيرها المادي والمعنوي والنفسي.. ولم تعد العمليات الارهابية في ظل المطاردات التي تلاحق عناصر التنظيمات والجماعات الارهابية علي مختلف مسمياتها ومآربها تتبني في تنفيذ عملياتها فكرة العمل بمجموعات أيا كان حجمها.. وذلك لسهولة الرصد والمتابعة والتعرض للهجوم وفقد الكثير من الارواح والامكانيات المادية.. وأصبح اتباع أسلوب الذئاب المنفردة هو السمة الغالبة علي العمليات الارهابية كما هو متبع الان في العقيدة القتالية لتنظيم داعش سواء في الدول العربية المبتلية بهذا الوباء أو في المسرح الاوروبي كما حدث أخيراً في مدينة نيس الفرنسية.. وهم اشخاص يتجولون في مكان محدد أو منطقة معينة ويتصيدون في توقيت مناسب هدفاً ثميناً من اختيارهم دون انتظار لأوامر أو تعليمات قد تكتشف في مرحلة التحضير من قبل أجهزة الامن والاستخبارات.. والهدف قد يكون شخصية هامة.. أو مبني استراتيجي.. أو تجمع بشري كثيف.
ولا شك ان مصر قد حققت في الآونة الاخيرة نجاحاً ملموساً في التصدي للجماعات الارهابية وخاصة المنتمين لتنظيم انصار بيت المقدس والذين يركزون عملياتهم ضد عناصر الجيش والشرطة في سيناء.. كما وأن قوات الشرطة تقوم بدور كبير في مطاردة البؤر الارهابية في الكثافة السكانية وتحقق في هذا المجال نجاحات ملموسة سواء في القضاء علي تلك العناصر أو القبض علي بعضهم وتقديمهم للعدالة.. ويزيد من صعوبة هذا التحدي العوامل الجغرافية لمصر والمتمثلة في اتساع حدودها البرية والبحرية وتعدد المسارب التي يتسلل منها الارهابيون والتكفيريون واحتياجاتهم من الاسلحة والذخائر والمعدات الفنية والتكنولوجية والاموال.. مع عدم تمتع الدول المحيطة بمصر في الوقت الراهن وفي كافة الاتجاهات الاستراتيجية بالامن والاستقرار الذي يمكن من إقامة تعاون وتنسيق جاد وفعال معها في مجال الحرب علي الارهاب.. بالاضافة لقدوم العديد من التكفيريين والمناوئين للدولة المصرية خلال فترة الحكم الاخواني وتمركزهم في بؤر وعرة ومناطق نائية وكثافات سكانية عشوائية.. مع وجود خلايا حاضنة لهم في الداخل المصري.. مع تزايد عمليات التهريب للاسلحة والذخائر عبر الحدود إلي مصر في الفترة الاخوانية من متروكات الجيوش المنهارة في العالم العربي وتحديداً من ليبيا والعراق.
ويقع عبء المواجهة كلية مع العناصر الارهابية وسط تلك العوامل الشائكة علي عاتق مصر وأجهزتها المخابراتية والامنية ووحداتها القتالية.. وهو أمر يتطلب زيادة القدرة الاستباقية للدولة في اكتشاف التنظيمات والبؤر الارهابية ومكامنها وسرعة توجيه ضربات قوية ومؤثرة لتلك العناصر في الداخل وفي المحيط الاقليمي القريب مع فرض اجراءات تأمين مشددة علي الحدود البرية والمائية والرحلات الجوية.. وفي مسار مواز عدم اغفال حملات التوعية والارشاد لتحصين الشباب في مختلف المواقع ضد الفكر المتطرف والتفسيرات الخاطئة والمضللة لامور الدين.. وهذا هو مكمن التحدي الذي يثقل علي مصر في تلك الفترة الحرجة من تاريخها.
محاربة الفساد
التحدي الثاني هو محاربة الفساد.. وهو عدو هلامي اخطبوطي متغلغل في جزيئات التنظيم الاداري للدولة.. ويمثل قضية مطاطية معقدة كونها عميقة الجذور متشعبة المسارات.. وآفة الفساد تكمن في سوء التنظيم الاداري للدولة... مع كثرة وتضارب القوانين.. ووجود افراد كثيرين لا حاجة لهم في كثير من الوظائف بالجهاز الاداري للدولة.. وقد تم تعيينهم بفعل المحسوبية والواسطة ولاغراض انتخابية وكسب التأييد الشكلي للاحزاب والقوي السياسية الديكورية في الانظمة السابقة.. وتمثل تلك الظاهرة البيئة الحاضنة للفساد في مصر.. فضلاً عن أن هؤلاء يمثلون في حقيقة الامر عمالة زائدة غير مؤهلة تأهيلاً احترافياً ولا تأثير لهم في قيمة العمل كماً أو نوعاً.
وهؤلاء عادة ما يكلفون بأعمال المراقبة والتفتيش والمرور علي الوحدات الادارية المرتبطة بمصالح واحتياجات المواطنين لاثبات وجود الدولة ليس إلا.. ويشكلون عبئاً رهيباً علي الميزانية العامة للدولة وأجهزة الحكم المحلي.. وقد قال روبرت تايلور مؤسس علم الادارة في تناوله لعملية الاشراف إن المراقب المباشر هو أساس النجاح.. فالعين الاولي في الاشراف هي المنوط بها تقويم المعوج قبل ان يستشري خطره ويستفحل أمره ويصبح علاجه صعباً ومعقداً ومكلفاً مادياً.. والفساد لا يقاوم بالنصح والارشاد أو استطلاع رأي الموظفين أو العامة أو إطلاق ما اصطلح علي تسميته حوار مجتمعي.. انما الامر يستدعي إرادة سياسية قوية وواعية تعلن الحرب الضروس علي الفساد أينما كان وكيفما كان.. وتضع الاليات العملية والفعالة سواء الاجرائية أو القانونية التي تضمن القضاء علي الفساد وتردع الفاسدين وتسن "عقاب العبرة" الذي هو الاصل شرعا في كل الاديان والعقائد السماوية.
ويلزم في هذا الامر التحديد الدقيق والتفصيلي لمهام كل موظف أو عامل في عقد العمل بوضوح شديد.. والتي عليها توضع معايير التقييم الوظيفي أو المهني.. ثم ضرورة ملائمة الرواتب لطبيعة الوظيفة أو المهنة.. فتحقيق حد الكفاية للموظف الحكومي أو العامل في الجهاز الاداري للدولة تحت أي مسمي هي أولي خطوات التحصين النفسي ضد الفساد.. ويأتي بعد ذلك لوائح المكافآت التشجيعية والجزاءات ومتطلبات الترقي والتأهيل وغير ذلك من ضرورات الوظيفة.. ووضع القوانين الرادعة التي تظهر خطورة جرم الفاسد والمتلاعب بالوظيفة لمنافع شخصية دون مراعاة لخطورة تأثير جرمه علي أمن واستقرار ورخاء الدولة.. هنات يلزم العقاب المشدد والرادع لكل فاسد وكل من أعانه علي الفساد.. وأن تطبق معايير الشفافية والعدل في العقاب.. وأن تكون العدالة الناجزة هي أحد متطلبات الحرب علي الفساد.. كما يجب ألا يسمح للفاسدين المتلاعبين بمقدرات الدولة في لحظات الغفلة التمتع بمكتسباتهم.
باختصار شديد.. يجب ان تكون الدولة قوية وقادرة علي فرض قوانينها وتعليماتها وتنفيذ العقوبات الرادعة علي كل من يخالف متطلبات الوظيفة أو يستغل النفوذ بغية تحقيق مصالح شخصية علي حساب صالح المجتمع.. فالانهيار في المنظومات الادارية في كثير من الاجهزة الحيوية بالدولة انما هو نتيجة لتفشي الفساد في تلك المنظومات وبدرجة تبدد جهود وقدرات الدولة ولا تحقق فائدة سوي لاشخاص بعينهم بينما المواطن صاحب الحق الواقع التزاما علي عاتق الدولة يعاني من عدم وصول الخدمة المرصود لها مليارات الجنيهات اليه.. بل تصب في جيوب وحسابات طغمة فاسدة شديدة الانانية فاقدة الحس بمفهوم الالتزام الوطني والانتماء وهؤلاء هم شر العباد.. وبجب التصدي لهم بقوة في إطار القوانين المنظمة لحركة المجتمع.. والتجربة الكورية خير نموذج لتطبيق معايير مكافحة الفساد رغم قسوة أحكامها التي تصل عادة إلي حد الاعدام في خلال أيام قلائل من القبض علي المتلبسين.
الاحتياجات الضرورية للمواطنين
والتحدي الثالث متعلق بالاحتياجات اليومية الضرورية للمواطنين.. وأهمها الغذاء والدواء فالدولة مهما بلغت قدرتها علي إقامة المشروعات الاستراتيجية والبني التحتية وتوفير المسكن الملائم والقضاء علي العشوائيات وغير ذلك من الجهود الهائلة والانجازات المتعددة والمتنوعة التي تتحقق بسرعة ودقة وتكلفة اقتصادية مناسبة فيما يشبه المعجزات.. فلن تحقق الرضاء الكامل للشعب.. وسيظل المطلب الرئيسي للمواطنين من الحكومة ان تسيطر قبل كل شئ علي جموح التجار والمستغلين والمتعاملين في مسارات الحركة للمواد الغذائية والدواء بدءاً من تاجر الجملة إلي البائع المتجول.
ويجب ان تكون الدولة قادرة علي القضاء التام علي مفهوم الاحتكار.. ثم العمل علي الحد من تكرار الايدي الناقلة للغذاء والدواء والمتعاملة فيه حتي لاترتفع الاسعار في النهاية لتشكل أزمة مجتمعية وهناك حلول كثيرة لمواجهة ذلك التحدي.. ولكن الامر يتطلب وضع سياسات واضحة وقوانين موضوعية يلتزم بها المتعاملون في المواد الغذائية والدواء لايسمح علي الاطلاق بالتلاعب بها ويمكن المحاسبة عليها.. كما يلزم زيادة قدرة الدولة علي رقابة الاسواق ومنافذ البيع الخاصة للتأكد من سلامة المعروضات وبيئة التناول والبيع أولاً.. ثم ملائمة الاسعار مقارنة بالاسعار الاسترشادية التي تضعها الاجهزة الحكومية المختصة.. وقد يحتاج الامر التغاضي في تلك المرحلة عن النظرية الرأسمالية التي تدع الاسواق للعرض والطلب.. فهي من المنظور العملي تحتاج لدرجة عالية من الوعي والاحساس بالمسئولية لدي التجار والبائعين وأفراد الشعب.. وهو ما لايتوفر بكل اسف في الوضع الراهن.
وفي مثل هذه الظروف لابد من فرض أسعار مناسبة تخضع لدراسات موضوعية وعملية لايضار فيها أحد.. وهنا يلزم اتخاذ اجراءات حازمة وحاسمة وعاجلة ضد كل من يتلاعب باحتياجات المواطنين الغذائية والدوائية كتهريب وتخزين البضائع لانقاص المعروض حتي ترتفع الاسعار علي غير حقيقتها.. إن هذا هو قمة الفساد الذي يزلزل أركان الدول ويطلق ثورات الغضب التي تهدد كيانات الامم.. ويجب النظر للأمر بجدية والتعامل معه علي قدر خطورته.
التنمية والاستثمار
التحدي الرابع هو تحدي التنمية والاستثمار.. وهو يحتاج لرؤية تستشرق أهمية موقع مصر استراتيجيا والالمام التام بثرواتها ومقدراتها الطبيعية.. ثم ادراك الخطر الناجم عن الزيادة السكانية المضطردة مع ضعف قدرة الدولة حالياً في توفير الاحتياجات الضرورية اللازمة لمواجهة تلك الزيادة.. ثم العمل بسرعة وفاعلية علي خلق بيئة استثمارية داخلية وخارجية مشجعة تفوق معدلاتها معدلات الزيادة السكانية.
ويتطلب الامر وضع أهداف واستراتيجيات عمل تأخذ بعين الاعتبار المتطلبات العاجلة في المجالات الحيوية مع عدم اغفال المتطلبات المستقبلية.. وان تحظي البني التحتية ومتطلبات التعليم في جميع مراحله والرعاية الصحية بمستلزماتها وتوفير السكن الحضاري للقضاء علي العشوائيات الاهتمام الاكبر في خطط الدولة.. وكذلك تشجيع رؤوس الاموال الداخلية علي المشاركة في المشروعات الكبري والوسطي والصغيرة والتي تهدف لخلق بيئة متعددة النشاط وخاصة في مجالات الزراعة والصناعات القائمة عليها ومجالات التصنيع الاستراتيجي للتصدير للخارج ومجالات التكنولوجيا والانتاج الرقمي وتكنولوجيا المعلومات.. والتي أصبحت مجالات حيوية في الصناعة والانتاج في كثير من الدول النامية.. مع إعطاء أهمية كبري لتطوير مجالات السياحة في مصر واعتبار ذلك التوجه هدفاً رئيسياً من أهداف الحكومات المتعاقبة.
فمصر لديها باعتراف الكثير من الخبراء السياحيين في العالم ما لايوجد في غالبية دول العالم.. ويجب ان يمثل دخل السياحة أحد أعمدة الدخل العام للدولة.. فضلاً عن عائده المباشر وغير المباشر علي قطاع كبير من أفراد الشعب عامة والشباب علي وجه الخصوص.
ويرتبط بهذا التحدي تهيئة البيئة المناسبة للاستثمار في مجالات التنمية.. والاجراءات الحكومية الواجب اتباعها بعيداً عن الروتين المعقد والمرتعش الذي اضعف علي مدار السنوات الماضية قدرة مصر في تحقيق معدلات مرضية في مجال التنمية والاستثمار.
ومن الامور التي تبعث علي الاطمئنان ان الدولة تسير بجدية في هذا الاتجاه.. ولعلنا نلحظ انشطة الرئيس وتوجيهاته للوزراء ومتابعته الشخصية لهذا الملف الحيوي الذي يمثل قاطرة لاخراج مصر من عنق الزجاجة إلي آفاق رحبة تفتح مجالات للتعاون الاقليمي والدولي في مجالات التنمية والاستثمار.. استناداً علي كثير من العوامل الجاذبة التي تتوفر لمصر بدرجة أكبر من كثير من الدول الاخري.. لعل أهمها وأبرزها علي الاطلاق عبقرية المكان ومكنوناته البشرية وثرواته الطبيعية.
زيادة الوعي
التحدي الخامس وأحسبه من أخطر التحديات التي تواجه مصر في الوقت الراهن هو زيادة مستوي الوعي العام لدي المواطنين.. فالدول لاتنجح اطلاقاً بحسن التخطيط وتنفيذ القوانين ولكن النجاح يكمن بالدرجة الاولي في درجة الوعي لدي المواطن وإحساسه بمفهوم المواطنة.. والشعور بفخر الانتماء لوطن.. وأهمية أداء الواجبات المنوط بكل فرد أدائها في أي مرحلة من عمره الناضج.. وفي أي موقع يشغله.. ولا يتحقق تقدم الدول إلا بالتفاعل الايجابي بين الدولة والمواطنين وخاصة فيما يتعلق بمراعاة قيم المجتمع والالتزام الجمعي بثوابت النظام العام والحفاظ علي كيان الدولة ومؤسساتها ومقدراتها والصالح العام للمجتمع.. وهو ما يسمي في الحضارات الغربية بالالتزام الوطني والانساني.
ويرتبط بالوعي العام للمواطنين احتياجات كثيرة لعل ابرزها التعليم ومحو الامية.. وحسن إدارة العملية التعليمية في المراحل المختلفة وبشكل منهجي علمي وموضوعي يكون قاعدته تربية وبناء الانسان علي حب الوطن والافتخار بانتمائه إليه.. ثم المناهج التعليمية العملية والموضوعية التي تنير العقول وتطلق الفكر المستنير والخيال والابداع الذي يساهم في تعظيم قدرة الخرج العام للشعب وفئاته المختلفة للعمل في كافة الوظائف والمهن باحتراف وإجادة تامة لتحقيق الاهداف الموضوعة.. ويرتبط بالدور التوعوي الدور الديني الذي يدعم القيم الاخلاقية والمجتمعية.. والدور الاعلامي الهادف الذي أصبح في ظل ما يتمتع به الاعلام من تقنيات هائلة وعوامل جذب وإبهار مذهلة يشكل فكر ووجدان المواطنين ويؤثر في رؤاهم وتطلعاتهم للمستقبل.. ويأتي دور الثقافة في هذا المجال ليساهم في فتح آفاق الفكر المستنير لدي المواطنين عامة والشباب علي وجه الخصوص باعتباره القوة الدافعة لقاطرة المجتمع.. ثم تأتي أدوار شغل الفراغ فيما يفيد ويحصن الشباب ضد الانزلاق في هاوية الرذائل وذلك من خلال انشطة الشباب والرياضة والمجالات الابداعية واكتشاف وتنمية المواهب.
ان تلك التحديات لابد ان تواجه باستراتيجيات واضحة وتكليفاته محددة ومتابعة دقيقة وكل نجاح يتحقق في تلك المجالات سوف يعطي دفعة قوية لتحقيق نجاحات أكبر.. والامر يتطلب في المقام الاول إدراك الجميع ان تلك التحديات شديدة الخطورة.. وركيزة التعامل معها والتغلب عليها تستلزم الاصطفاف الوطني في المواجهة حول أفكار ورؤي علمية مدروسة وموضوعية.. وبالاتفاق عليها لايسمح بتيارات جدلية معوقة بدعوي حرية الرأي وحقوق التعبير وحقوق الانسان وغير ذلك مما يدعيه أصحاب الشعارات الرنانة والتعبيرات الهدامة.. ولربما تكون تلك الظاهرة الكلامية المثيرة والمؤججة للمشاعر والتي تنتشر علي ألسنة البعض في مجتمع ما بعد الثورات تشكل تحدياً آخر يضاف للتحديات المؤثرة علي مسيرة العمل الوطني الهادف والجاد في الوقت الراهن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.