عندما يستدعي مجلس النواب أو إحدي لجانه رئيس الوزراء أو بعض الوزراء فإن ذلك يتوافق تماما مع السلوك الذي رسمه الدستور للعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والمهام التي حددها لكل سلطة.. أما عندما يستدعي رئيس الوزراء أو أحد وزرائه مجموعة من النواب للتباحث والتشاور في قضية معينة خارج مبني البرلمان فإن ذلك يعني مباشرة السير عكس الاتجاه الذي حدده الدستور.. ويضع ألف علامة استفهام أمام أي اجتماع يعقد علي هذا المنوال. الطبيعي أن يأتي رئيس الوزراء والوزراء إلي مجلس النواب للإدلاء ببيانات وتعليقات وتقديم إيضاحات تلبية لطلبات إحاطة من نائب أو أكثر.. أو لسؤالهم أو استجوابهم في قضية معينة.. باعتبار أن مجلس النواب هو صاحب الاختصاص في الرقابة علي أداء الحكومة ومساءلتها إلي جانب مهمته في التشريع وإقرار الاتفاقيات والمعاهدات التي توقعها الحكومة.. وبالتالي فإن له اليد العليا. لكن.. في الآونة الأخيرة ظهرت احتجاجات قوية من داخل البرلمان علي اللقاءات التي دعا إليها رئيس الوزراء وبعض الوزراء مجموعات من النواب خارج مبني البرلمان.. غالبا في المكاتب الحكومية الرسمية.. حيث يكون رئيس الحكومة في عرينه.. وسط حاشيته من الموظفين والسكرتارية.. وهو ما يخلق مناخا غير متوازن دستوريا.. تكون فيه السلطة التنفيذية في وضع أعلي من السلطة التشريعية. وقد اطلعت علي رأيين معتبرين لنائبين في إطار هذه الاحتجاجات.. الأول للسيدة مني جاب الله عضو لجنة الإدارة المحلية.. والثاني للسيد أحمد الطنطاوي عضو تكتل ¢25-30¢ في البرلمان. أبدت النائبة مني جاب الله رفضها للقاءات الفردية التي تعقدها الحكومة برئاسة المهندس شريف إسماعيل مع عدد من النواب.. مشددة علي أن التواصل الصحيح يجب أن يتم داخل أروقة مجلس النواب.. ومن خلال الجلسات العامة تحقيقا لمبدأ الشفافية.. وأوضحت أن رئيس الوزراء خلال هذه اللقاءات سيشكو من الظروف الاقتصادية والتحديات والصعوبات التي تواجهها الحكومة.. كما حدث أثناء مناقشة برنامج الحكومة.. مضيفة: ¢أخدنا شوية شوية وقعد يعرض علينا مشروعه.. ومع ذلك قلنا برضة التحفظات ولكن هذه المرة ستفوت عليه الفرصة.. فنحن نعرف أن مصر بها موارد كثيرة.. لكنها تعاني من سوء الإدارة وتفتقد إلي الرؤية¢.. وأنا شخصيا بقول رأيي بكل صراحة.. سواء قعدت مع الحكومة أم لا.. وأعلن رفضي لبعض القوانين مثل قانون القيمة المضافة¢. أما النائب أحمد الطنطاوي فأكد أن الدستور نظم شكل العلاقة السليمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.. وأن رد الشيء لأصله يفصح عن أن البرلمان دوره المهم يتمثل في رسم السياسات العامة للبلاد ووضع خطط التنمية.. وأن المطلوب من الحكومة فقط هو عملية التنفيذ لما يراه المجلس.. لكن الواقع لا يمت بصلة لهذه القواعد.. فالجميع يلاحظ أن الحكومة لها اليد العليا أمام البرلمان.. وأن في أي اجتماعات بين الطرفين تكون الغلبة والتأثير لها.. وأغلب أعضاء البرلمان لا يبدون الحرص الكافي علي استغلال ما لديهم من إمكانات وصلاحيات.. ولا يرغبون في إقرار الشكل السليم للعلاقة علي النحو الذي يراه الدستور ويحقق المصلحة للمواطن. وأيا كان الأمر.. فإن احتجاج بعض النواب علي اللقاءات الخاصة مع رئيس الوزراء أو بعض الوزراء خارج مبني البرلمان تمثل ظاهرة جديدة نراها لأول مرة في تاريخ الحياة النيابية في مصر ¢الجمهورية¢.. وفي رأيي أنها تعبر عن حالة من الوعي للدور الذي يجب أن يضطلع به النواب في مواجهة الحكومة.. والخطوط الفاصلة التي يجب الحفاظ عليها بين البرلمان والحكومة حتي يضمن النواب لأنفسهم قدرا أكبر من الاستقلال.. فلم يكن أحد يهتم بمثل هذه اللقاءات الخارجية للنواب مع الحكومة من قبل.. بل إن بعض النواب كان يعتبر دعوة رئيس الوزراء أو أحد الوزراء له إلي مكتبه نوعا من التكريم ودليلا علي أهميته وخطورته.. ثم يتفاخر علي أقرانه بوضع صورة مع هذا المسئول أو ذاك في صدارة بيته ومكتبه باعتبارها أحد إنجازاته. رغم كل شيء.. مصر تتغير.. مصر تتطور.