الحكاية. الحدوتة هي الدعامة الأولي في بناء أي عمل روائي. ثم تأتي بقية الدعامات. وهي بالنسبة للتقنية عندي الإفادة من العناصر والمقومات في وسائل الفنون الأخري. كالفلاش باك في السينما. والتقطيع في السينما أيضاً. والتبقيع في الفن التشكيلي. والهارموني في الموسيقا. ودرامية الحوار في المسرحية إلخ. أومن بقول بريخت: "يجدر بالكاتب لكي يسيطر علي القوة الدينامية للواقع أن يفيد من كل الوسائل الشكلية المتاحة. بصرف النظر عن جدتها أو قدمها". نحن نجد في الرواية رداً علي كل ما طرح من أسئلة وهي تقدم ردها بصورة أعمق وأشد وضوحاً من الفنون الأخري كالشعر والموسيقا والرسم وغيرها. إنها كما يصفها بعض النقاد الأوروبيين فن المشكلات. بوسعها وحدها أن تعالج كل الأبعاد للمشكلة الواحدة. الرواية تجسيد للحياة علي نحو أعمق. بينما وسائل التعبير الأخري قد تعني ببعد واحد. فثمة اللون في الرسم. والحركات التي تستهدف توترات صاخبة الموسيقا والمزاوجة بين اللغة وفهم الحياة الإنسانية. إفادة الرواية من الفنون الأخري كالموسيقا والتشكيل والشعر وغيرها. يعني إفادتها من مخصبات تضيف إلي الأرض المنهكة تجدد حياة. علي الروائي أن يثري إبداعه بإسهامات الفنون الأخري. بما تملكه الفنون الأخري من خصائص جمالية وتقنية. فيتحقق للنص الأدبي أبعاد جديدة. أشارت إليها ناتالي ساروت. وتتحقق كذلك أبعاد جديدة للفنون الأخري. وعلي سبيل المثال. فإن الروائي ينبغي أن يكون ذا حس عال بالشعر. بالقصيدة الشعرية. فثمة حس للكلمة. وحس للصورة. وهما حسان شاعريان. اللفظة مهمة في الرواية. والصورة أيضاً بالقدر نفسه لأهميتها في القصيدة الشعرية. المزاوجة بين التوتر الشعري والفن السردي إضافة مطلوبة في فن الرواية. ولعلنا نذكر اعتراف ميشيل بوتور بأنه لم يكتب قصيدة واحدة منذ كتب روايته الأولي. فقد أحس أن الرواية في أكمل أشكالها قادرة علي تلقي ميراث الشعر القديم. وقد بدأ بلزاك حياته الأدبية شاعراً. ثم انتقل إلي كتابة الرواية. الأمر نفسه بالنسبة لهمنجواي وفوكنر وعشرات غيرهم. وظل فيكتور هوجو إلي نهاية حياته يزاوج بين الشعر والرواية. وكان وليم بليك شاعراً ورساماً. وكان اليوت شاعراً وناقداً. ويذهب بول فاليري إلي أن كل كتابة أدبية هي كتابة شعرية. ثمة إلي جانب ذلك علاقة منطقية بين الشعر والموسيقا ترتكز إلي العوامل التي تجمع بين هذين الفنين. والقول بموسيقا الشعر يعني أهمية الموسيقا بالنسبة للشعر. الشعر لا يصبح شعراً بدون موسيقا. ويري جاتشيف أن الموسيقا هي أقرب الفنون إلي الأدب. وإن تباينا في طريقة التعبير عن الايقاع العام للوجود. وللعالم الداخلي للإنسان. أما السينما. فإن لنا أن نتصور فيلماً خالياً من الموسيقا. الموسيقا كما نعرف بعد مهم في الفيلم السينمائي. وهي كذلك بعد مهم في المسرحية وكلاهما يضم القصة والديكور والأزياء والشعر. وبالذات المسرحية الشعرية. يغيظني ذلك الذي يحاول التجريب في القصة القصيرة مثلاً ويرفضه في الفن التشكيلي. يكتب أعمالاً يؤطرها النقد في السوريالية. بينما يعجز عن قراءة إبداعات تشكيلية مماثلة. الفن التشكيلي يلتحم بالفنون الأخري. من خلال التكوين والإطار والأبعاد والأضواء والظلال. أذكرك برواية "ممر ميلانو" لميشيل بوتور التي تشبه في تكوينها لوحات بول كيلي المسماة "تكوين". فهي تعرض للحياة في احدي عمارات باريس أثناء فترة محددة ومحدودة من الزمن. ثمة علاقات متشابكة بين كل شقة والأخري في العمارة بقطع صغيرة. تتحرك علي لوحة شطرنج. بالطبع. فإن العمل الإبداعي يضع قوانينه. فلا تأتي بالضرورة من خارجه. لا تقحم عليه. أو تنبو عن سياقه. وعلي حد تعبير إليوت فإن القانون الأدبي الذي جذب اهتمام أرسطو لم يكن قانوناً وضعه هو. بل قانوناً اكتشفه. لكن القصة والقصيدة والرواية والمسرحية إلخ.. من خلال التراث الهائل لكل منها. يظل لها مواصفاتها الخاصة. شكلها الفني الخاص. ولعلي أصارحك أمام قول البعض وهو يدفع إليك بأوراقه: هذا نص!. أني أعتبر هذه الأوراق مجرد محاولة. نثرية أو شعرية. حتي أتبين مدي اقترابها. أو ابتعادها. عن هذا الجنس الأدبي أو ذاك. لا أغفل إمكانية توقعي للعمل المتميز. العبقري. الذي قد يفاجئني بجنس إبداعي لم يكن موجوداً من قبل. لكن هذا العمل لابد أن يحمل قوانين أخري. خاصة. ومغايرة..