كنت في طريقي إلي المنزل بعد يوم شاق من العمل استوقفني صوت رقيق يكاد يهمس بأذني.. وبنبرة حزينة تردد عبارة مازلت أتذكرها بخاطري "مش عايز تشتري رقاق يا ابني" فأجيبها شكراً.. ولكنها بإلحاح شديد "الرقاق هايعجبك دي الشمس سخنته وبقي طازة.. عشان خاطري اشتري "فقلت لها هاتي كيلو يا حاجة وأنا لا أعلم لماذا اشتريته.. وبدأت في سؤالها اسمك ايه يا حاجة؟ وكأنني أطلقت لها العنان لتبوح لي ما بداخلها من أعزب الألحان. اسمي الحاجة فاطمة وأحضر كل يوم من السنبلاوين حتي أبيع الرقاق لمن يشتريه ولا تسألني عن عمري فقد عشت الكثير وتباينت عليَّ أجيال وأجيال.. ولا أريد نظرة العطف والشفقة من أبنائي فمادمت علي قيد الحياة فلابد أن أعمل وبجد حتي لا أكون عالة علي أحد.. فأبنائي بخير ولكن كل واحد وله حياته والتزاماته ولا أزيد حملهم بوجودي.. أضافت أستيقظ في الفجر وأخبز الرقاق وأحمله علي رأسي وأسافر إلي حيث يكتب لي الله الرزق.. ما أجمل اللقمة الحلال حتي ولو قليلة. قالت: البركة يابني في القليل فلا تحزن علي شيء مادام ربك عايز كده وأحمد ربك راح يزيدك.. فوجدتني مجبراً علي أن أشتري منها الرقاق وبأي ثمن لأن ما نصحتني به لا يقدر بثمن.. سألتها: نفسك في ايه يا حاجة؟ نفسي أعيش مستورة والحاجة ترخص زي زمان.. الغلاء واكل الناس.. فين أيام القرش صاغ. أنا كنت بشتري بالشلن أكل البيت في أسبوع دلوقتي الخمسين جنيهاً مش بتكفي أكلة.. بس الحمد لله علي كل حال وأنا والحمد لله عندي الارادة والتحدي علي الرغم أني بلغت من العمر أرذله؟ ونفسي شباب اليوم يبقي عندهم أمل في بكرة ويبتسموا للحياة لأن الدنيا حلوة بس اللي يفهمها صح.