ما جري في إحدي قري المنيا بين عائلتين مصريتين. مسلمة ومسيحية. لا يمت بأي صلة لدين أو ملة. ولا يعبر عن مصر ولا تقاليد وأخلاق القرية المصرية. إنه تصرف غير إنساني علي الإطلاق. لا يعبر إلا عن شهوة انتقام شيطانية تجاوزت كل الحدود والأعراف. ولا يمكن قبولها أو تمريرها تحت أي ظرف. ومهما كانت الأسباب أو المقدمات التي أدت إليها. وإلا فتحنا علي المجتمع المصري أبواب الجحيم. هو حادث فردي لا سابقة له في بشاعته لا في ريف الوجه البحري. ولا في الصعيد. ولكن كم من الحوادث الفردية يمكن أن تشوه صورة شعب بأكمله. وتلحق العار بمجتمع بكل فئاته إن لم يقف الشعب والمجتمع كله ضدها وضد من ارتكبها وقفة رجل واحد. حتي لا تتكرر بعد ذلك أبداً. ثم إن هناك من يصنعون الحوادث الفردية في مطابخ التآمر. وهناك من ينتظرون خروجها لكي يتلقفوها ليشيعوها في كل أنحاء العالم كأنها جزء من سلوكيات شعب وثقافة مجتمع. إن اختيار سيدة مسنة وتجريدها من ملابسها وإجبارها علي أن تظهر علي الناس بهذه الصورة. لا يمكن أن يكون اختياراً عفوياً. أو بالمصادفة. إنه يحقق أعلي درجة من الإذلال والإهانة لإنسانية الضحية. ولأسرتها بصرف النظر عن ديانتهم. وهذا ما يضمن أن يشعل الحادث الفردي أقصي درجات الفتنة في القرية وفي المحافظة وربما في مصر كلها. ثم إن وقوع هذا الحادث الفردي بالذات أثناء جولة ناجحة يقوم بها الإمام الأكبر شيخ الأزهر في أوروبا. يزور خلالها الفاتيكان ليطلق من هناك. ومع بابا الفاتيكان دعوة للسلام واستئناف الحوار بين الأديان. ثم يزور فرنسا ليتفق مع رئيسها علي أن الإرهاب عدو لكل الأديان ويجب التعاون الكامل معاً من أجل محاربته.. أمر لا يمكن تجاهله. الحمد لله أن الفتنة وئدت في مهدها بمواقف وتصرفات حكيمة من رئاسة الجمهورية ومن مجلس الوزراء. ومن الكنيسة والأزهر. ومن السلطات المحلية في محافظة المنيا. وخاب مسعي من أرادوها ناراً جديدة تحرق مصر في الداخل وصورتها في الخارج. ولكن يبقي أن مثل هذا الحادث لا تكفي في معالجة آثاره أحكام تصدرها مجالس عرفية. أو مصالحات تتوصل إليها جلسات عائلية. هذا خرق لقوانين الإنسانية. ولقيم كل الأديان السماوية. ويجب مواجهته بكل شدة. لقد وجه الرئيس السيسي بتطبيق القانون بكل حسم علي الواقعة ومرتكبيها. وهذا مسار يضع لبنة جديدة في دولة القانون التي نسعي إلي بنائها. لكن يبقي علي المستوي المحلي. أن تشعر القرية كلها أن ما جري يمثل عاراً سوف يلحق باسمها وبكل أهلها إلي الأبد. إن لم تتخذ حياله وقفة حاسمة. وأبسط ما يمكن أن يدرأ هذا العار. أن تنبذ القرية من ارتكب هذه الفعلة. وأن ترفض أن يبقي علي أرضها أو يعيش فيها أو يعود إليها أو يدفن - إن مات - في ترابها. يومها سيذكر التاريخ للأجيال القادمة. أن قرية صغيرة في صعيد مصر اسمها "الكرم" أثبتت أن بها رجالاً قادرين علي الحفاظ علي إنسانية وشرف نسائهم وعائلاتهم.