من أخطر الظواهر التي طالعتنا بها التطورات الأخيرة في الولاياتالمتحدة. تصاعد أصوات الناخبين المؤيدين لترشيح دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة. لقد وجد الكثير من الساسة والإعلاميين في أفكار ترامب التي قدم فيها نفسه. ما يشي بالطرافة. وإنها ارتباكات ذهنية ستغيب بسحب الناخب الأمريكي صوته عنه. وتحويله إلي المرشحين الذين ينظرون - بفهم وموضوعية - إلي المشهد السياسي في العالم. وأن سياسات مثل الحرب الباردة. وحافة الهاوية. والتحرك وفق ما تمليه المخابرات المركزية وغيرها. لم تعد مقبولة في عالم تعددت فيه القوي. بحيث لم تعد الأمور في يد واحدة. قد تكون الولاياتالمتحدة هي الدولة الأقوي. لكنها ليست الدولة القوية الوحيدة. التأييد الذي لقيه ترامب من أصوات مؤيدي الحزب الجمهوري مثل مفاجأة حتي لقيادات الجمهوريين. ممن أعربوا عن خشيتهم علي مستقبل الحزب في ظل العنصرية الأحادية التي أغرت ناخبي الحزب بتأييدها. بالإضافة - طبعا - إلي قيادات الديمقراطيين. بداية من الرئيس أوباما الذي استنكر تصريحات ترامب. ووجد فيها تعبيرا عن سياسات قديمة بالية. وامتدادا في وصف المرشحة هيلاري كلينتون مرشح الديمقراطي بأنه مضطرب لدرجة تجعله غير مؤهل للرئاسة. بل ان المرشحين المنافسين في حزبه اعلنوا - حين تنازلهم عن الترشيح - اشفاقهم علي مستقبل بلادهم في ظل سياسة الاستعلاء والعنصرية والعنف التي يريد ترامب أن تكون محورا لسياسة الولاياتالمتحدة عند توليه رئاستها. لعل التأييد الذي ناله ترامب من أنصاره الجمهوريين صادر عن رد فعل لسياسة الرئيس الديمقراطي أوباما. ومنها موقفه الضعيف من تنظيم داعش. وفشله في ايجاد نظام موال لواشنطن في افغانستان. رغم الانفاقات الهائلة التي قدرت بأكثر مما انفقته بلاده علي ست عشرة دولة أوروبية. أفادت من خطة مارشال عقب الحرب العالمية الثانية. كذلك ضم موسكو جزيرة القرم. وعجز أوباما عن اسقاط الرئيس بشار الأسد. والتدخل الروسي في سوريا. والتنازلات المذلة لانهاء أزمة المفاعلات النووية الايرانية. نحن نستعيد في شخصية ترامب شخصيات فرانكو اسبانيا وهتلر ألمانيا وموسوليني ايطاليا وغيرهم من القادة الذين تصوروا القوة سبيلا لسيادة دولهم علي العالم. بالاضافة إلي وصف الآخرين - وفق مذهب نيتشه - بأن المجتمع الانساني لا حاجة له بوجودهم. الغريب أن استبيانات الرأي العام الأمريكي تشير إلي تصاعد نسبة المؤيدين لقصر الولاياتالمتحدة اهتمامها علي الشأن الداخلي. ليست القوة هي السبيل الوحيد لقيادة العالم. ثمة سبل أخري مهمة. في مقدمتها الاقتصاد والتعليم - تجد المثل في الصين واليابان وألمانيا الحديثة. وغيرها من البلاد التي عزفت عن استخدام القوة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.