لا سبيل أمام هذا الوطن إن كان جاداً في مسعاه للخروج من "شرنقة" التخبط والفقر والكساد. سوي أن يحاصر الفساد ويجفف منابعه. وأن يفتح ملفاته السوداء منذ عقود ويحاسب كل فاسد بأثر رجعي. ولو وصل الأمر إلي حد محاسبة "الموتي" الذين رحلوا بعد أن نهبوا البلاد والعباد. وتركوا مئات الملايين لأبنائهم يختالون بها علي شعب يذوق الأمرّين من أجل لقمة العيش. الحكايات عن الفساد وألاعيبه علي كل لسان. والأراضي الشاسعة في مصر أوضح خريطة للمفسدين الذين بسطوا أيديهم علي آلاف الأفدنة. حصلوا عليها بملاليم. ويبيعونها بالملايين. ولأن المال يجلب المال. فقد انطلقوا بأموالهم الحرام. يستبيحون كل شيء ويسطون علي حقوق البسطاء.. يصدرون ويستوردون. ويتحكمون في كل شاردة وواردة. وسط التداعيات التي حلت علي مصر منذ 25 يناير. ترسخت لديّ قناعة بأن الفساد رغم شراسته هو الذي حمي البلاد من السقوط الذريع. فمركب الوطن المثقوبة من كل جانب. كان يسير فوق ماء آسن وأكوام من القمامة. ولو كان فوق ماء يجري لغرق منذ زمن طويل. الآن.. لا يمكن بأي حال من الأحوال.. أن نكابر وأن نواصل السير في ذات الطريق. والحكايات الصحيحة التي يتداولها الناس في الشارع. عن أباطرة حولهم استولوا علي المقدرات. باتت سخيفة ومملة. واستمرارها بذات النسق. يهدد أي محاولة للتنمية. ويمنع حتي الناس عن العمل في بلد يرون الفرص فيه للأقوي والأغني والأقدر علي التحايل علي القانون. كنت ومازلت علي قناعة بضرورة إنشاء مفوضية للفساد. تتبع رئيس الجمهورية مباشرة. يتم اختيار أعضائها بعناية وتجرد كامل ووفق معايير صارمة. علي أن يكون لتلك المفوضية فروعها في كل المحافظات. ويوضع لها قانونها الخاص. وبعد الانتهاء من تشكيلها. يتم تحديد فترة لكل من يري في نفسه أو في ماله شائبة فساد. للتقدم من أجل التصالح وإظهاراً لحسن النوايا. بعدها يصبح الجميع ونحن منهم. هدفاً لتلك اللجان. التي تجوب المدن والشركات والمجتمعات الجديدة. لمراجعة كل صغيرة وكبيرة.. بكم اشتري وبكم باع. وهل يوازي ما اشتراه القيمة التي دفعها. وهل تستحق الأرض التي بيعت في المزاد الثمن الذي دفع فيها. وهل. وهل.. ساعتها سنقف علي حجم الفساد الذي استشري ونهب ثروات مصر. ولو استطعنا رد ما نهبوه. وهو ممكن وحق لنا وليس منحة من أحد. قد تجد البلاد والعباد في تلك الأموال المنهوبة ما يعينهم في أيامنا الصعبة تلك. أسمع من مسئولين وليس من مواطنين حكايات عجيبة وغريبة عن صور الفساد. أقل ما توصف به أنها إفساد في الأرض. تتم علي مرأي ومسمع الجميع. وبمباركة أحياناً من أجهزة تنفيذية. إما أنها شريكة في الإثم. أو لا تملك من أمرها شيئاً. وللأسف يحدث هذا كل يوم. ولعل التقرير الأخير الصادر عن مؤسسة شركاء من أجل الشفافية. يوضح حقيقة التردي الذي نعيشه. فأكثر من نصف المصريين يضطرون إلي دفع رشوة لإنهاء مصالحهم. وتقرير منظمة الشفافية الدولية منذ أيام. كشف عن تزايد الفساد بصورة ملحوظة. وإن سبقتنا في ذلك لبنان واليمن والأردن. أعلم وأقر أن الفساد بات دولة من الصعب إسقاطها. وعصابته تتحكم بمقاليد كثيرة. لكن الشعب أمام وخلف الرئيس. وسيكون حائطه الذي يستند إليه. في مواجهة أولئك الذين سرقوا منا اللقمة والفرحة وكادوا أن يسرقون الحياة أو سرقوها. ** ما قبل الصباح: حرية "الصحفيين" لكل الوطن.. من يحاربونها "مستعبدون".