كان يوماً تاريخياً رائعاً ذلك الذي شهدته نقابة الصحفيين بالأمس في الاجتماع الطارئ للجمعية العمومية دفاعاً عن حرية الصحافة وحرية الصحفيين في مواجهة الهجمة الشرسة التي تتعرض لها نقابتهم.. وقد تأكد في هذا الاجتماع لكل ذي عينين أن الصحفيين متمسكون بوحدتهم ساعة الخطر.. وأنهم رغم اختلاف مذاهبهم ومشاربهم السياسية والفكرية قادرون علي صياغة موقف واحد.. موقف قوي واع وناضج.. يدافع عن حريتهم وعن نقابتهم. كان الهتاف يهز أركان الصرح العظيم لمبني النقابة.. هتاف الآلاف التي احتشدت لتقول لكل من يهمه الأمر لن نتخلي عن نقابتنا ولن نتخلي عن حريتنا.. عاشت حرية الصحافة.. عاش نضال الصحفيين. كان مشهداً مهيباً.. قاده شباب الصحفيين بدرجة عالية من النضج والوعي.. وبعثوا برسالة قوية بأنهم يرفضون الإذلال والإهانة التي لحقت بهم من جراء اقتحام الأمن لمبني نقابتهم.. ويرفضون الاستفزازات التي ابتدعها أناس غير مسئولين حشدوا المواطنين الشرفاء في محاولة مكشوفة لاختلاق معركة واشتباك بين هؤلاء المعصوبي الأعين وبين الصحفيين. لقد حاولوا تشويه النقابة وتشويه الزميل النقيب ومجلس النقابة.. بل وتشويه الصحفيين جميعاً.. والإدعاء بأن الصحفي ليس علي رأسه ريشة.. نعم الصحفي ليس علي رأسه ريشة.. وعليه أن يكون أول من يلتزم بتطبيق القانون.. لكن الذي لا يفهمه هؤلاء أن القانون جعل من حرية الصحافة وحرية الصحفي وحرية التعبير عموماً المقدمة الأولي لحرية الوطن.. بل هي عنوان حرية الوطن.. ليس من أجل الصحفي وإنما من أجل المواطن الذي يذهب إلي الصحافة لكي تدافع عنه وعن حقوقه.. وبدون هذه الحرية لن يرتفع صوت المواطن الباحث عن الحق والرافض للظلم. حرية الصحافة إذن ليست مكسباً فئوياً للصحفيين وإنما هي مكسب للمواطن العادي الذي تتبني الصحافة قضاياه وتدافع عن حقوقه.. وترد عنه المظالم. سوف يذكر تاريخ مصر الحديث يومنا هذا بأحرف من نور.. وسوف يضاف إلي سجل نضال الشعب المصري علي طريق بناء دولته المدنية الديمقراطية الحديثة التي يحلم بها.. بالضبط مثلما يذكر وقفة الصحفيين المشهودة لإسقاط القانون 93 لسنة ..1995 المعروف بقانون تكميم الصحافة.. والذي تحدي به مبارك إرادة جموع الصحفيين في خطاب عام قال فيه قولته الشهيرة: "القانون صدر الليلة الماضية كي ينفذ في لحظة صدوره.. إحنا مش بنبيع ترمس". ورغم هذه النبرة المتعالية المتحدية من رئيس الدولة وقف الصحفيون صفاً واحداً وراء نقابتهم.. ودافعوا عن حريتهم بكل قوة وصلابة.. ونجحوا في إسقاط القانون. وفي تلك المعركة عام 1995 لا ننسي أن رجال الأمن كانوا يقفون بعيداً عن مبني النقابة.. كانوا يلتزمون الرصيف الآخر ولم يتحرشوا بالصحفيين.. لم يفرضوا حصاراً عليهم.. ولم يستفزوهم أو يعتدوا عليهم.. ناهيك عن أن ظاهرة الزج بالمواطنين الشرفاء لم تكن قد اخترعت بعد.. وكل هذه الممارسات السلبية التي شهدناها بالأمس كانت سبباً في تأجيج المشاعر وتصعيد الهتافات.. ولم تفسح طريقاً للتفاهم والوصول إلي حل. الآن.. استطيع أن أقول بكل ثقة لا خوف علي مستقبل الصحافة.. ولا خوف علي مستقبل حرية الصحافة.. طالما أن هناك أجيالاً من الشباب قادرة علي حمل الراية ومواصلة النضال ولديها رؤية تعرف بها كيف يكون الدفاع عن الحق وعن رسالة الصحافة الحرة في وطن حر. عاشت حرية الصحافة.. وعاش نضال الصحفيين.. وعاشت مصر حرة لشعب حر.