كانت ولاتزال الثورة الفرنسية واحدة من أعظم الثورات في التاريخ الحديث ذلك انها غيرت المفاهيم التحررية في العالم كله وأسست للأفكار التي قام عليها الاخاء والمساواة والعدل. هذه الثورة بدأها المفكرون ولعل أبرزهم جان جاك روسو ومونتسيكيو وكان من رأي روسو ان الانسان ولد حرا. وأن الناس في الأصل متساوون. وأن هذه الحقائق لا تحتاج الي اثبات وكان من رأي مونتسيكيو أن الهيئات الوسيطة بين الحاكم والشعب هي كوابح مقيدة علي السلطة الاوتوقراطية. وكانت السلطة الملكية للملك لويس السادس عشر مطلقة علي الأقل من الناحية النظرية وكان الملك وفقا لتقاليد العائلة البربونية التي ينحدر منها الملك هو المشرع الأوحد. وهو السلطة التنفيذية الرئيسية. وهو المحكمة العليا وفي استطاعته ان يأمر بالقبض علي أي شخص في فرنسا وحبسه الي أجل غير مسمي دون ابداء الأسباب أو السماح بمحاكمته وكانت أوامر الاعتقال تخرج من قصر فرساي مختومة وجاهزة الي الشرطة وكانت فرنسا قد خرجت في ذلك الوقت من حرب السنوات السبع الأمريكية وقد أوشكت خزينتها علي الافلاس بينما كانت زوجته الملكة ماري أنطوانيت ابنة الامبراطورة ماري لويز امبراطورة النمسا تقتني يوميا مجوهرات بمئات الآلاف من الجنيهات الذهبية وتلعب القمار بشكل يقترب من الادمان وترتدي أغلي الملابس وتحضر المسرحيات والأوبرا والحفلات الموسيقية الصاخبة بينما الشعب يئن تحت وطأة الفقر والحاجة والعوز لدرجة منافسة القطط والكلاب علي أكوام القمامة اضافة الي سوء النظام الضريبي الذي كان يعفي النبلاء والوزراء و"الاكليروس" ويبتز العمال والفلاحين والتجار الصغار ضريبيا وكان هؤلاء يشكلون النخب الفرنسية ويعارضون أي اصلاحات يحاول هذا الملك الضعيف القيام بها حتي لا يحرموا من الامتيازات الممنوحة لهم واكتسبوها علي مدار حكم العائلة البربونية الذي امتد لأكثر من ألف عام. وكان الملك رغم ضعفه يرغب في الاصلاح ويشعر بالفلاحين ويحاول مساعدتهم بسن قوانين تعينهم علي الغلاء وتحد من الثراء المتزايد لنخبة فرنسا فلما عين الملك تورجو وزيرا للمالية وضع عددا من القواعد علي قاعدة "لا إفلاس.. معلنا كان أو مقنعا".لا زيادة في الضرائب. والسبب حالة الشعب ولا قروض خارجية لأن القروض نهايتها الافلاس! وبعد فترة من الاعتراضات واتخاذ اجراءات للتقشف ومحاولة اصلاح شئون الدولة وصلت فرنسا الي حافة الانهيار وأصبح افلاس فرنسا الوشيك يجعل البلاط الملكي يفكر في استعمار مصر ولكن هذه الفكرة لم تنفذ الا بعد رحيل الملك لويس السادس عشر. هذه القصة تقول ان الطامعين في مصر من الخارج لم يتوقفوا علي مدار التاريخ وبالتالي نحن أمامنا فرصة تاريخية لاستغلال العهد الذي نعيشه في اعادة بناء مصر والخروج من حلقات النقاش البيزنطي التي لا تجدي والنظر كحكومة الي اصلاح أحوال الفقراء والنظر بعين الجدية لاصلاح أحوال الفلاحين وتسهيل عمليات التصدير وتحويل مصر الي ورشة عمل حقيقية هدفها الانتاج لا الاستيراد والرئيس لم يقصر في تبني الأفكار الداعمة للنهوض بأحوال البلاد ويعمل مخلصا لانتقال مصر نقلة تاريخية نحو تحديث الصناعات والتسهيل علي المستثمرين والعمل علي جذب الاستثمارات المجدية ولكن الرئيس ليس من عمله أن يبحث في كل صغيرة وكبيرة وان يحل كل المشاكل وحده والا فما هو عمل الحكومة وما هو دور المحليات وأين رئيس الوزراء من وضع الحلول للمشاكل المتفاقمة وما هو دور الوزراء ودور المحافظين بل والمحليات ووزير الحكم المحلي. الريس لن يفعل ولا يستطيع ان يفعل كل شيء وحده الحكومات النائمة لا تستمر.