نحن شعب يجيد بل ويعشق الجدل في "الفاضية والمليانة" ونحن نتجادل في الصباح وفي المساء في العمل وفي المترو وفي الاحزاب وفي الفضائيات وفي التاكسي وفي بير السلم وفي محطات القطار وفي كل فضاء ممكن. وبقدر حبنا للجدل نكره العمل الجاد والمنتج ونقلل من حجمنا ونبالغ في حجم الاخرين بل قد نتباهي ونذكر جمال وروعة مدينة أو دولة ولانغير منها ونقلدها في جمالها بل نطبق المثل الشعبي "القرعة التي تتباهي بشعر بنت اختها" ونقبل بأن نظل قرع! لكن يبقي الجدل هو اخطر امراضنا تماما مثل الانانية والجشع اللذين سيطرا علي حياتنا فتوقفنا في مكاننا وجعل شعوبا كانت منذ ثلاثة أو اربعة عقود تحيا في خيام علي شواطئ البحر تسبقنا بمراحل بل ويتمني كثير من شعبنا الحياة فيها للأبد. ولنرجع للجدل لنعرف ماذا يفعل في الامم؟ الجدل يعرف بانه هو "ان يتناقش طرفان دون ان يقنع احدهما الآخر أو دون ان يتنازل طرف للآخر عن وجهة نظره سلبية كانت أو إيجابية". الجدل البيزنطي هو اشهر قصص الجدل في التاريخ وله قصة ارجو ان نتأملها ففي التاريخ كثير من العظة. حينما حاصر السلطان العثماني الكبير محمد الثاني المشهور باسم محمد الفاتح القسطنطينية وهي الامبراطورية الرومانية الشرقية هذه المدينة الاسطورية التي صمدت في وجه كل أعدائها علي مدي 11 قرنا لم تسقط خلالها ثم اصبحت علي وشك السقوط في يد السلطان العثماني. وماذا فعل البيزنطيون أزاء هذا الحصار القوي علي مدينتهم وعاصمة ملكهم؟ استمروا في مناقشة خلافاتهم الدينية وبينما كانت مدافع وقذائف محمد الفاتح تدك مدينتهم واسوار القسطنطينية كان البيزنطيون يكفرون بعضهم البعض! المثير ان الامبراطور قسطنطين الحادي عشر ظل يحاول تهدئتهم وتوحيدهم للتصدي للغزو العثماني ولكن لم يستمعوا له ولم ينتبهوا للاخطار المحدقة بهم لدرجة انه بكي وهو يرجو كلا الطرفين ان يوقفوا نقاشاتهم العقيمة لكنهم لم يستمعوا لكلام امبراطورهم وسقطت القسطنطينية في يد محمد الفاتح عام 1453م. عن أبي أمامة رضي الله عنه قال "رسول الله صلي الله عليه وسلم" ما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل "ثم قرأ صلي الله عليه وسلم الآية" ما ضربوه لك الاجدلا بل هم قوم خصمون "الزخرف 58" هل وصلت الرسالة وهل يعي شعبنا ما هو الجدل الذي أصبحنا نهواه ونصحو وننام عليه. اللهم بلغت اللهم فاشهد.