سعادة المواطن لم تعد ترفا ولا خيالا فلسفيا يسكن عقل أفلاطون ومدينته الفاضلة. بل هدف يقاس به نجاح الحكومات في أداء مهامها علي نحو منشود حتي تصبح جودة الحياة أهم أولوياتها قاطبة.. فما جدوي حياة محفوفة بمعاناة وآلام وخوف من المستقبل لسوء الإدارة وقصور الرؤية والفساد وإهدار المساواة وتكافؤ الفرص وغياب العدالة بشتي صورها.. ولم اندهش عندما استحدثت الإمارات الشقيقة منصب وزير دولة للسعادة مهمته الاساسية بحسب الشيخ محمد بن راشد رئيس مجلس الوزراء الإماراتي مواءمة كل خطط الدولة وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع.. قائلا نريد حكومة لا تفكر فقط في تقديم الخدمات بل ايضا في بناء مهارات شعبها وتوفير بيئة لتحقيق الانجازات وتجعل سعادة الإنسان همها وهمتها وشغلها اليومي.. وعندما نقول ذلك فنحن نعنيه حرفيا. هذه الخطوة المبهجة لم تأت عفو الخاطر. ولا نبتت في فراغ. وإنما جاءت ثمرة ونتاج رؤية ناضجة لقيمة الإنسان المواطن. ونتيجة طبيعية لمعطيات عديدة وإجراءات وجهود مضنية علي أرض الواقع شارك فيها المواطن والحكومة علي السواء ذلك ان نائب رئيس الإمارات اطلق في العام المنقضي مبادرة لقياس سعادة الجمهور. ورضاه عما يقدم له من خدمات عبر نشر اجهزة الكترونية بالدوائر الحكومية كافة ترتبط بشبكة مركزية ترصد هذا المؤشر وترسل بتقارير يومية لصانع القرار. ويبدو طبيعيا ان تحقق دبي المركز الاول عربيا والرابع عشر عالميا في اسعاد شعبها بحسب استطلاع اجرته مؤسسة "جالوب" بمشاركة شركة هيلثوايز جلوبال لقياس السعادة في نحو 156 دولة. وجاءت مصر في المركز 130 بينما تصدرت سوريا قائمة البلدان الاكثر تعاسة في العالم بنسبة 1% من السكان سجلوا درجة عاليه من الرضا تليها افغانستان اللتين لا تخفي فيهما عوامل التعاسة والبؤس. ولم تكن الإمارات بدعا بين الدول الساعية لتحقيق السعادة لشعبها. بل ثمة دول عديدة تصدر مؤشرات تقيس رضا مواطنيها وسعادتهم.. لكن الملفت حقا ان الإمارات دولة عربية مثلنا لها ذات الثقافة والظروف والجذور لكنها وهذا ما يجعل الأماني ممكنة افلتت من عقدة التخلف والفساد والاستبداد وغيرها من عوامل اخري اسهمت في تراجع الدول العربية. يكفي مثلا ان نعلم ان الإمارات احتلت المرتبة الأولي عربيا وال 36 عالميا في الأداء الشامل للابتكار وفقا لمؤشر الابتكار العالمي لجامعة كورنيل والمنظمة العالمية للملكية الفكرية.. كما تصدرت منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في 4 ركائز في تقرير مؤشر الابتكار وحلت بين افضل 20 دولة في العالم في 9 تقارير عالمية للتنافسية من بين 12 تقريرا رئيسيا تصدر سنويا عن المؤسسات الدولية وهو ما جعلها ضمن افضل 15 اقتصادا في العالم متقدمة علي دول مثل فرنسا وإيرلندا واستراليا وكوريا وكانت الاولي عالميا في جودة الطرق وفي غياب الجريمة المنظمة وآثار التضخم والثانية عالميا في الاستثمار الاجنبي المباشر. والثالثة في ثقة المواطنين بالقادة والسياسيين. ومشتريات الحكومة من التكنولوجيات المتقدمة والرابعة في جودة البيئة التحتية والمتطلبات الاساسية.. كما حافظت علي المرتبة 28 عالميا في مؤشر الازدهار.. فهل نحتاج وزيرا للسعادة في مصر أم نحتاج لتهيئة الأجواء للشعور بتلك السعادة التي هي محصلة منظومة متكاملة في الإدارة تتبني نهجا غير تقليدي يشيع الأمل ويستأصل شأفة الفساد. ويحقق الجودة والنزاهة والشفافية والعدالة والازدهار. ويخلق ثقافة جديدة تترجم إلي منهاج عمل تتبناه الحكومة ويتلقفه الشعب بهمة وحماس.