أخيرا اتخذت الحكومة عددا من الإجراءات التي تهدف إلي ترشيد الاستيراد والحفاظ علي موارد النقد الأجنبي الشحيحة. واستخدامها الاستخدام الأمثل وفي أوجه الانفاق المهمة وآخر هذه الإجراءات زيادة الرسوم الجمركية علي قطاعات قائمة كبيرة من السلع الاستهلاكية المستوردة غذائية وصناعية. ومن قبلها قرار تسجيل بيانات المصانع المصدرة لنحو 50 سلعة مستوردة. لتتكامل تلك الإجراءات مع حزمة الإجراءات المهمة التي اتخذها البنك المركزي المصري قبل اسابيع. ومن أهمها عودة التأمين النقدي بنسبة 100% علي الواردات غير الأساسية. ورغم أن الحكومة تلكأت لشهور عدة في اصدار مثل هذه الإجراءات حتي بعد التراجع الكبير في موارد السياحة علي خلفية كارثة الطائرة الروسية وحظر سفر السياح الروس ومن بعض الدول الأوروبية لمنطقة سيناء. إلا أنها عندما قررت رفع الرسوم الجمركية استهدفت مجموعة كبيرة من السلع تصل لنحو 500 سلعة. وإذا كان لا يعنينا في شيء رفع الجمارك علي الفواكه والخضر المستوردة أو طعام القطط والكلاب أو الفستق واللوز والكاجو والبندق ولا طبعا الكافيار وأنواع الاجبان الفاخرة. ولا يعنينا أيضا رفع جمارك أدوات التجميل أو الاثاث المستورد أو الرخام والسيراميك الأسباني أو التركي. لكن هناك سلعا ارتفعت عليها التعريفة الجمركية بنسب كبيرة ويحتاجها المستهلك مثل الأجهزة الكهربائية ¢مراوح وتليفزيونات وثلاجات وبوتاجازات وغسالات¢ وحتي بعض أنواع الملابس المنخفضة الأسعار التي كان يقبل عليها المستهلك في ظل ارتفاع اسعار نظيرتها المحلية الصنع. وأيضا حديد التسليح الذي كان يسهم في خلق مناخ تنافسي يعمل علي ضبط أسعار الحديد. إذا كان ولابد من توسيع قرار زيادة الرسوم الجمركية ليشمل سلعا غير كمالية أو ترفيه بناء علي طلب اتحاد الصناعات المصرية. لابد من أن تقوم الحكومة بإجراءات مكملة ¢تشتري بها خاطر¢ المستهلك مثلما اشترت ¢خاطر المصنع المحلي¢ وأهم هذه الإجراءات تشديد الرقابة علي السوق المحلي للتأكد من أمرين الأول هو مستوي جودة المنتج المحلي والذي لا يجب أن يقل عن مستوي جودة المثيل المستورد. والثاني هو التأكد أن الصناعة المحلية لم تستغل أسوار الحماية التي فرضتها الدولة من خلال التعريفة الجمركية. والاهتمام بالسوق والتحكم في المستهلك الذي أصبح ¢ظهره للحائط¢ من خلال رفع الأسعار وزيادة هامش الربح. ليتحمل المستهلك التكلفة الحقيقية لدعم الاقتصاد والحفاظ علي موارد النقد الأجنبي من دون طبقة المصنعين ورجال الأعمال الذي تعودوا أن يكونوا فائزين في كل الأوقات وفي كل الظروف جيدة كانت أم سيئة. هل تستطيع الحكومة القيام بدورها المطلوب في حماية المستهلك. وهل يتعارض ذلك مع حرية الأسواق وآلية العرض والطلب؟ نعم تستطيع الحكومة ذلك ولكن الأمر يحتاج شجاعة اتخاذ القرار. وإذا كانت قد وجدت الشجاعة أخيرا لرفع الرسوم الجمركية رغم ثورة المستوردين العارمة ضد القرار. فيمكنها أن تتبني قرارا لوضع هامش للربح بناء علي عوامل التكلفة. حتي لو اعترضت علي ذلك الصناعة المحلية. ويمكن أن يكون القرار مؤقتا أو يكون متزامنا مع قرار رفع التعريفة وينقضي بانقضاء القرار وعودة التعريفة لمستواها السابق. إلي جانب ذلك يجب أن يتابع جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار أداء هذه الصناعات في ظل القرارات الجديدة. أما حرية الأسواق ¢فعلي العين والرأس¢ ولا يحد منها وجود إجراءات تنظيمية تحمي المستهلك مثلما توجد إجراءات لحماية الصناعة دون أن يقول أحد أنها تحد من حرية السوق رغم أنها كذلك. فضلا عن ذلك توجد آليات كثيرة لضبط الأسواق وحماية المستهلك في اعتي الدول الرأسمالية التي تطبق حرية السوق منذ عشرات السنين. وأصبحت هذه الآليات تقليدا يطبقه الجميع دون حاجة إلي رقابة الحكومة. نعم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة - رغم التوسع فيها - مطلوبة في ظل الظروف الحالية. لكن يجب أن يكون المستفيد الأول هو الاقتصاد القومي. وليس مجتمع الأعمال.