تعددت الأسماء المطروحة لمظاهرة اليوم في ميدان التحرير.. هناك من قالوا انها جمعة الهوية والشرعية.. وهناك من قالوا انها جمعة الإرادة الشعبية ولم الشمل.. لكن الواقع يقول ان صدقت النوايا انها ستكون جمعة المصالحة الوطنية.. حيث الفرصة سانحة لعودة الأمور إلي أصلها.. وإلي ما كانت عليه قبل الفرقة والشتات. لقد مرت علينا أيام صعبة عشنا فيها تحت ضغط الخوف من الفشل.. والخوف من الفوضي والانقسام فلا يمكن أبدا أن يرجي أي خير لهذا البلد في ظل الصدام والتنازع وتهديد البعض بتحويل مصر إلي عراق أو ليبيا أو يمن أو سوريا بعد أن أكرمنا الله وأعزنا وحقن دماءنا وأظهرنا بشكل متحضر أمام العالمين. الصورة الآن عامرة بالأمل والطمأنينة.. كل الأطراف اليوم تتحدث لغة التصالح والتقارب وتغليب المصلحة العامة.. وهذا هو المفهوم الصحيح للثورة.. وهو مفهوم وطني وأخلاقي يضمن التعايش بين كافة القوي والتيارات معا علي هذه الأرض.. واعتبار هذا حقا أصيلا للجميع دون اقصاء أو استثناء. الثورة نقلتنا من التصادم إلي التفاهم ومن الفرقة إلي التلاقي وأوجدت مناخا انفتاحيا يتسع للجميع.. استعدادا لممارسة التعددية السياسية وتداول السلطة علي أرض الواقع وليس علي الورق فقط وهذا المناخ الانفتاحي يتطلب من الجميع أن يستوعبوا الآخر في إطار من التوافق والتفاهم وإيجاد أرضية مشتركة. كل الشعوب المتحضرة تفهم هذه اللغة وتتعايش مع اختلافاتها السياسية والفكرية بمنطق عقلاني وروح سمحة.. وترفض التعصب والإقصاء.. وهذا ما يجب أن ندرب أنفسنا عليه ونقبله ونتعامل معه علي انه واقع الحياة. ويخطئ من يتصور ان مصر ملك له من دون بقية أبنائها.. فمصر ملك الجميع لهم فيها حقوق متساوية طالما انهم يعيشون علي أرضها يستوي في ذلك الأبيض والاسود والأصفر والأحمر ويستوي المسلم والمسيحي والشيعي والسني واليهودي.. ويستوي أيضا المرأة والرجل.. والإخواني والسلفي والشيوعي والوفدي والاشتراكي وما شابه ذلك. هذه ثقافة الديمقراطية التي يجب أن نعتنقها في أيامنا القادمة.. ثقافة الاعتدال التي تجعل الوطن يتسع للجميع.. ولا يمنع أحد من ممارسة حقوقه السياسية وتولي المناصب العليا والحكم إلا أن ترفضه الجماهير في الانتخابات الحرة النزيهة. ولو تصورنا ان ميدان التحرير يمثل اليوم الوطن الكبير فعلينا أن ننقل التوافق الرائع الذي حدث علي مدي الأيام القليلة الماضية بين الأحزاب والتيارات والائتلافات إلي الأحياء والمدن والقري لكي نجهز أنفسنا للمرحلة القادمة.. مرحلة المنافسة السياسية في الانتخابات واحترام الصندوق واحترام إرادة الشعب.. وتجريم كل من تسول له نفسه اللعب علي أوتار المتناقضات وبث الفرقة وتسميم المناخ وترويج الشائعات التي ليس لها أساس من الصحة. ان الأمل كبير في الغد.. وأحلامنا بلا حدود.. وكلنا ينتظر أن تخلق لنا الثورة مجتمعا من الملائكة.. وأن تحل مشاكلنا السياسية والاقتصادية المتراكمة والمعقدة.. وهذا بالطبع غير واقعي لأن هذه الآمال والأحلام لن يصنعها ويحققها إلا رجال ونساء يعرفون الحق ويلتزمون بالضمير ويحملون الأمانة في أعناقهم كي يؤدوها وهم مخلصون. المطلوب الآن من كل القوي الثورية أن تسير من اليوم في طريق البناء والانتاج وأن تحض الناس علي القيام بواجباتهم كل فيما يخصه وأن تسعي إلي تهدئة الخواطر ولم الشمل وبث الثقة في النفوس.. وقد سمعنا ان هذه القوي علي اختلافها سوف تتبادل المنصات في مظاهرة اليوم.. وهذه بادرة جيدة حتي نصل إلي درجة معقولة من التفاهم و الانفتاح بدلا من أن ينغلق كل فريق علي نفسه ولا يسمع إلا صوته. ولو نجحنا في اختبار جمعة المصالحة الوطنية ولم الشمل اليوم فإننا نكون قد بدأنا صفحة جديدة في تاريخ الوطن.. صفحة تتسع للمستقبل وتحدياته بدلا من أن نظل ندور في دوامة الخلافات والصراعات القديمة التي مللناها. ولو التزم كل حزب وكل تيار وائتلاف بقدر قليل من ضبط النفس ومن التواضع والانفتاح فسوف نصل إلي حد أدني من التفاهم يسمح لنا بأن تتشابك الأيدي لصنع الحلم الكبير بعيدا عن المصالح الضيقة وطموحات الزعامة وادعاءات الشعبية. اجعلوها اليوم مظاهرة خالصة لوجه الله والوطن.. وسوف تجدون ان النتائج مبهرة.. وفي صالح الجميع.