اهتم الفراعنة بمقابرهم.. جعلوها قصوراً تحوي كل ما هو غالي ونفيس. من أثاث وذهب وحلي. ومجوهرات.. وجعلوا فيها موائد القرابين بها ما لذ وطاب من الطعام وغير ذلك من الاحتياجات الشخصية. كان الناس يعتبرون كل هذا كنوزاً مدفونة يمتلكها ابتداءً من الفرعون الملك. وحتي أثرياء الشعب.. ولهذا أصبحت مبعثاً قوياً للفساد والسرقة والاختلاس.. ولم تسلم من هجمات اللصوص علي مدي آلاف السنين. سواء كانت مقابر ملكية أو غير ملكية. روي واحد ممن عاشوا في ظل الأسرة العشرين. أي حوالي سنة 1200 قبل الميلاد أنه وزوجته سرقا مقبرة ملك من الملوك لأسرة سابقة. وقد بلغ ما سرقاه من ذهب أكثر من 40 رطلاً تقريباً. بخلاف المجوهرات والحلي. والفضة والأثاث. ويصور الحكيم إيبور حجم الفساد والسرقات في الفترة التي أطلق عليها عهد الفوضي التي سادت البلاد بعد الدولة القديمة. نحو سنة 2033 قبل الميلاد. فقال: إن العامة سرقوا الفرعون.. واقتحموا مقبرته. واستولوا علي محتوياتها الغالية وتركوها خاوية. فقد كان الشعب يعاني كثيراً من الفقر.. لم يجدوا شيئاً يقيهم من الفقر فوق الأرض. ووجدوا كل شيء ينفعهم في دنياهم تحت الأرض!! ويضيف إيبور أن سرقة المقابر لم تتوقف عند العامة. بل إن الملوك أنفسهم كانوا أحياناً لصوص مقابر ومعابد. ومنهم من سرق الأحجار ومنهم من استولي علي النقوش. وامتدت أيدي بعضهم إلي المقابر الغنية. ونهبوا محتوياتها. كذلك شارك الكُهان في السرقات رغم أنهم كانوا يقومون بحراسة المقابر ورعايتها. يضاف إلي كل هؤلاء العظام من اللصوص. ما كان يفعله العمال الذين يتولون بناء وزخرفة المقابر الجديدة. فيقومون بسرقة المقابر القديمة!! ويؤكد المؤرخون أن انتشار سرقة المقابر راجع إلي الأزمات العديدة التي عاني منها الشعب المصري في الأزمنة القديمة. التي بلغت ذروتها في النصف الأخير من الأسرة العشرين. أي حوالي سنة 1167 قبل الميلاد. ففي تلك الفترة ضعف نفوذ مصر في إمبراطوريتها الممتدة في آسيا. وانقطع وصول الضرائب إلي الحكومة. هذا من جهة.. ومن جهة أخري توقف استغلال مناجم النحاس في سيناء. وأصبح الموقف المالي عسيراً. وامتنعت الحكومة عن دفع أجور العمال. وأصبح من الصعب أن يترك هؤلاء العمال الذين لا يجدون ما يسد رمقهم هذه الكنوز والمقابر دون أن تمتد إليها أيديهم ليسرقوها. والعجيب أن الحكومة عجزت عن إيقاف هذه السرقات!! ويقول المؤرخ الكبير سليم حسن إن سر تحويل المقابر من مجرد أماكن لدفن الموتي إلي مقر لحفظ الكنوز راجع إلي المعتقدات الدينية لدي المصريين. فهم يعتقدون أن الإنسان ليس كائناً مزرياً. ولكنه يتكون من عدة عناصر مثل: الجسد والروح. التي تحلق كطائر بشري. كذلك يتربع علي قمة هذه العناصر اعتقاد يقول إن بداخل الإنسان إنساناً آخر. هو القرين أو البديل. ويطلقون عليه "الأخ" أو "الكا" وهذا القرين يكفل وجوده "للشخص" الحماية والحياة. والصحة والحظ والفرح.. وبالتالي فهم يعتقدون أن الشخص لابد أن يكون له أخ أو قرين يكبر معه ولا يفارقه.. ولما كان بقاء القرين حياً بعد موت صاحبه. فإنه يلزمه شروط معينة تختلف عن تلك التي يحتاج إليها أثناء الحياة.. ولهذا دفنوا الكنوز مع صاحبها في المقبرة.. ولهذا أيضاً نشطت السرقات لأن الحي أبقي من الميت.. كما قالوا.