يجلسون علي الأرصفة بالساعات. انتظارا لفرصة عمل باليومية. ويتلهفون إلي "الشقاء". لتوفير قوت يومهم. والملقبون ب "عمال التراحيل" الذين تنطق ملامحهم ب "المآسيِ" ويكفي إذلالهم النفسي. عندما يلتفون حول سيارة يبحث قائدها علي عامل باليومية. وكأنه مشهد "فلاش اباك" من سوق الرقيق. في عصور الجاهلية. لكنهم لايملكون التمرد علي ظروفهم. خاصة ان امكانيتهم لا تؤهلهم للعمل بشكل ثابت في وطن تعد "البطالة" فيه "سيدة الازمات". في مشهد يبدو متكررا مع كل طلعة شمس. يجلس عمال التراحيل علي الارصفة بمناطق مختلفة في الاسكندرية. يترقبون ان تمن عليهم السماء بمهمة عمل مؤقت يحصدون منها القليل من النقود. التي تساعدهم علي مواجهة أعباء الحياة حيث تبدو أجسادهم "متآكلة" و"نحيفة" تحت ظلال "الشقاء" المتواصل الذي ينهش عظامهم كأنه فيروس يتغذي علي أعمارهم. أبرز الاعمال التي يشتغلون بها نقل الاثاث ومواد البناء والهدم أعمال الهدم غير من الاعمال الشاقة دون حماية نقابية أو رعاية صحية. ليصبحوا فئات مهمشة. تعيش سيناريوهات يومية من الاوجاع. وبلغة يائسة. ونبرة تحمل في طياتها "العذاب النفسي والجسدي" يروي عزيز فهمي دوس. من مركز ابنوب محافظة اسيوط. مأساته اليومية للحصول علي فرصة عمل لبضعة ساعات. مؤكدا انه ترك اطفاله الخمسة في أسيوط. وجاء إلي الاسكندرية. حاملا عدة الشغل شاكوش وأجنة وازميل يحرص عليها كحياته. بحثا عن لقمة العيش في الاسكندرية المرية وترابها الزعفران.. لكن اكتشفت ان الشقاء وقلة الحيلة. تطاردني في كل مكان.. قال عزيز: نفسي أجد عملا ثابتا لاطعام أطفالي دون إذلال.. اضاف ابني الصغير يعاني من مرض الصرع وزوجتي تعاني من مرض الكبد. بينما "الملاليم" التي نتحصل عليها لاتسد جوع أطفالنا. وليس مصاريف علاجهم. والدولة تركتنا نواجه الحياة كالفريسة. حتي التأمين الصحي يرفض علاج زوجتي. أو نجلي علي نفقة الدولة..! في الرصيف الذي يتوسط شارع 45 بمنطقة العصافرة كان يجلس شاب تبدو ملامحه أكبر من عمره الحقيقي ساندا رأسه علي عدته انتظاراً لفرصة عمل مؤقت. وبعد التعرف علي هويتنا الصحفية. قال: اسمي محمد علي حسن عمري 23 سنة متزوج من اثنتين تركت بنت عمي في البلد التي تزوجتها منذ 10 سنوات وتزوجت الثانية هنا في الاسكندرية حتي يرزقني الله بالخلفة. خرجت من بلدتي بمحافظة اسيوط بعد ان ضاقت بي سبل الرزق ولم أجد عملا في قريتي. ورغم ذلك لم اعمل في الاسبوع سوي يوم أو يومين بالكتير. كشف أيمن ناجي فرج 38 سنة حاصل علي دبلوم زراعة. ان "قلة الحيلة" اجبرته علي إخراج أبناءه الثلاثة من المدارس. وقال ايمن: "التعليم يحتاج لمصاريف غالية ونحن لانقدر علي دفعها خاصة اننا لانستطيع تدبير تكاليف الدروس الخصوصية ولا حتي مجموعات التقوية. لذلك أخرجت الاولاد من المدرسة ليعملوا في الحقول ويساعدوني في تكاليف الحياة. أما البنت الوحيدة فمصيرها للزواج وهي الان تجلس في المنزل لرعاية أمها المريضة بينما أعمل أنا هنا لتوفير نفقات العلاج والطعام والشراب.. وأضاف: نحن هنا نعيش علي آكل الفول والطعمية. ونسكن 10 عمال في شقة غرفتين. لتوفير نفقات الاسرة. وخاصة إننا نسافر كل شهرين لنتنفس طعم الراحة أيام معدودة مع الاسرة. وكل ما أخشاه تعرضي للوفاة في أي وقت. لا أدري ماذا ستفعل اسرتي بعدي. أما منصور ميخائيل 18 سنة صاحب الجسد النحيل فتحدث مهموما واصفا نفسه هو واقرانه من "عمال الترحيل" ب "العبيد" وتحولوا إلي سلعة تباع وتشتري وب "أبخص الاثمان" علي حد قوله. وقال: عقب حصولي علي دبلوم زراعة أرسلني والدي للعمل في الاسكندرية للعمل مع أبناء عمي. بدعوي أنهم يغدقون علي اهاليهم بالاموال. ولكني اتصدمت في أعقبا العمل معهم. واكتشفت أنهم يتعرضون لشتي انواع الذل والاهانة. ويحرمون أنفسهم من الطعام. لتوفير النفقات لاهاليهم. وأن الصورة الوردية التي تصور الاسكندرية علي إنها قطعة من أوروبا اكتشفت أنها صورة وهمية. وأن الشقاء سيد الموقف. فيما يقول الدكتور محمد عوض. استاذ علم الاجتماع بجامعة الاسكندرية أن عمال التراحيل جزء مهم من الاقتصاد غير الرسمي الذي يوجد في مصر. وليس لديهم تأمين صحي أو تأمين اجتماعي كما انهم لايحصلون علي أجور ثابتة بل يحصل العامل علي قوت يومه من فرص عمل قد تأتي أو لا تأتي.. وأضاف: عمال التراحيل يمثلون حوالي 4% من العمالة الموجودة في مصر وترتبط بالهجرة مع الريف إلي المدينة. فنجد هؤلاء العمال يعملون في بعض الاعمال الهامشية. وقد تنقذهم هذه الاعمال من الوقوع في فخ البطالة. لذا فإن مواجهة تلك الظاهرة يكون بتحسين أوضاع تلك العمالة.