لدينا الآن تجربة إيجابية مهمة نتمني لها أن تنجح لتصبح نموذجا يحتذي.. فقد وافقت الحكومة أخيرا علي تنفيذ الحكم القضائي الصادر منذ 4 أعوام بعودة عمال شركة ¢طنطا للكتان¢ الذين خرجوا إلي المعاش المبكر عند خصخصتها.. وذلك بعد أن أعيدت الشركة إلي الدولة. الحكم القضائي الخاص بعودة عمال الشركة صدر في سبتمبر 2011 لكن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة كانت ترفض تنفيذه.. وتتلكأ وتماطل.. حتي فاجأتنا إدارة الشركة القابضة الكيماوية المشرفة علي إعادة ¢طنطا للكتان¢ إلي الدولة بمنشور يعلن فتح باب تلقي طلبات العاملين الخارجين بالمعاش المبكر من الشركة والراغبين في العودة إلي وظائفهم بشرط ألا يكون العامل قد بلغ سن الستين وأن يوافق علي رد مكافأة نهاية الخدمة التي حصل عليها وقت خروجه بالمعاش المبكر عقب خصخصة الشركة عام 2005 ورغم أن الخبر - في تقديري - يمثل نقلة مهمة في تفكير الحكومة وفي توجهات سياساتنا الاقتصادية إلا أن الصحف نشرته علي استحياء في مساحات صغيرة.. ولم ينل الاهتمام الواجب بالمتابعة والتحليل حتي تنجح التجربة.. وتقدم نموذجا جيدا للشركات الأخري العائدة من جحيم الخصخصة كي تسترد عامليها وتعود إلي الانتاج بكامل طاقتها.. فليس هناك أروع من أن يقف العامل مرة أخري أمام ماكينته ليكد ويعرق وينتج بدلا من أن يضيع وقته مع الشيشة والطاولة علي المقاهي. وكانت الحكومة قد باعت ¢طنطا للكتان¢ للمستثمر السعودي عبدالإله الكحكي في 2005 بقيمة 83 مليون جنيه سددها علي 3 سنوات عبر أقساط دورية.. وبعد مصادمات ومنازعات عادت الشركة إلي الدولة.. لكن الحكومات المتعاقبة تعنتت في تنفيذ حكم إعادة العاملين الذين خرجوا إلي المعاش المبكر والذين بلغ عددهم - طبقا لما نشر - 631 عاملا منهم 200 حالة وفاة وتخطي سن الستين.. وتلقت الشركة القابضة بالفعل موافقات من 250 عاملا علي العودة ورد مبالغ المعاش المبكر.. فالمهم بالنسبة لهم أن يعودوا ويعملوا ويعيشوا حياة طبيعية.. خصوصا بعدما أعلن عن ضخ استثمارات جديدة في ¢طنطا للكتان¢ لانتاج الغزل والاتفاق علي استيراد ماكينات حديثة لتشغيل العمالة العائدة من المعاش المبكر. أقول هذه سابقة تاريخية مهمة.. فلأول مرة يتم فتح الباب لعودة العاملين الخارجين بالمعاش المبكر إلي شركتهم وبحكم قضائي ملزم.. لم يحدث ذلك في أي شركة أخري من الشركات العائدة من الخصخصة مثل ¢قها للأغذية المحفوظة¢ أو ¢عمر أفندي¢ أو ¢المراجل البخارية¢.. وإذا نجحت التجربة فسوف تكون دافعا لتكرارها في تلك الشركات وغيرها. وبهذه المناسبة.. أرجو أن يكون الدكتور خالد حنفي وزير التموين قد أوفي بوعده الذي قطعه علي نفسه منذ 3 شهور والخاص بخطة تطوير شركة ¢قها¢.. والتي قال إنها تتضمن ضخ استثمارات بقيمة 100 مليون جنيه لتحديث وزيادة خطوط الانتاج وتطوير أساليب التعبئة والنقل والتغليف حتي تعود الشركة كما كانت في السابق بعد أن كاد المستثمر العربي أن يقضي عليها ويبيع أرضها ومعداتها خردة. لن ينصلح حال مصر اقتصاديا إلا إذا جرت عملية إحياء منظمة وشاملة لكل وحدات الانتاج التي تم بيعها أو إغلاقها أو تعطيلها أو تخريبها خلال مهرجان بيع مصر في عهد مبارك.. بمعني أن خروج مصر من الأزمة الاقتصادية الخانقة لن يتحقق إلا برؤية جديدة وقناعة جديدة تقوم علي إعادة تشغيل آلاف المصانع المغلقة وتحديث أدوات الانتاج في شركات القطاعين العام والخاص حتي تعمل بكامل طاقتها.. وبالتالي يعاد تحويل الشعب العاطل - أو المعطل - الذي أدمن جلسات الشيشة علي المقاهي والكباري إلي شعب عامل منتج.