هو قارئ جيد للجريدة يجد في متابعته للابواب الانسانية متعة حقيقية ومنها هذا الباب وملاذا يخفف عنه ما يكابده في الحياة.. جاءني ف.ب من القاهرة حاملا اليَّ تجربته في التعايش مع الابتلاء الذي اصابه وزوجته خلال العامين الماضيين قال: لم اسع للحضور اليك طمعا في مطلب او لتحقيق امنية بل لكي ابعث بسؤال لكل اب لديه طفل يعاني من مرض عضال.. هل فعلت كل ما عليك تجاه ابنك ام اصابك الاحباط مع اول كلمة سمعتها من الطبيب: ¢ابنك حالة ميئوس منها¢!!.. اذا فعلت ذلك فانت اجرمت بلا شك في حق ابنك ولن تاخذني بك رأفة او التمس لك عذراً فقد مررت بتجربة قاسية مع اصغر ابنائي الثلاثة.. تجربة اثارت بداخلي مشاعر وفجرت قدرات لم اكتشفها في نفسي من قبل فبعد ثلاث سنوات من ميلاده - عمره الآن خمس سنوات - شعرت انني امام إنسان آخر فصغيري لم يعد يتكلم او يضحك.. عاجز عن التعبير عن نفسه أو احتياجاته حتي النوم بات لا يعرفه واي سهو عنه يعني كارثة فذات ليلة استيقظت وامه لنجده في المطبخ غارقا في عجينة من الزيت والسكر والارز!! يواصل الضيف: أعراض مفاجئة وصادمة جعلت الأهل وأصحاب الخبرات ينصحونني بالتوجه به الي مركز تخاطب وفعلت وفيه خضع لاختبارات عديدة وجلسات انتظم فيها سنة كاملة دون ان يظهر عليه اي تحسن فذهبت به الي استاذ كبير في المخ والاعصاب فاعطاه علاجاً كان بمثابة دفعة صغيرة مكنته من استعادة بعض الحروف عند النطق واستقرت حالته عند ذلك ستة اشهر ما دفعني الي البحث عن طبيب اخر فدلني الاحباب علي استشاري في الطب النفسي والوراثي وبمجرد ان نظر الي ابني ¢أحمد¢ شخص حالته فهو يعاني من فرط حركة وتشتت انتباه ووصف له علاجاً مستورداً يتمثل في منشط ذهني لخلايا المخ النائمة وأدوية اخري لفرط الحركة وإعانته علي النوم ونصحني بضرورة انتظامه علي هذه الادوية لمدة شهر كامل يعقبه جلسات تخاطب ولكن منفرداً وبثقة الطبيب المتمكن قال: خلال هذا الشهر ستري تطوراً في النطق لدي ابنك.. وبالفعل بدأ صغيري ينطق بكلمات غير مكتملة الحروف وغير مفهومة وراح يستعيد قدرته في التمييز بين الالوان والاشياء وحدث تطور بديع عندما بدأ يردد اسمه الرباعي وفي الموعد المحدد لاعادة الكشف عند هذا الطبيب علمت بانه سافر للخارج ما اوقعني في حيرة وقلق شديد هل اواصل اعطاء تلك الادوية لابني ام اتوقف وواصلت البحث عن طبيب ثالث من نفس المدرسة الطب النفسي والوراثي ووفقني الله في الوصول اليها وهي طبيبة ذاع صيتها في هذا المجال فأقرت نفس الادوية التي اقرها الاول وطمأنتني انه مع الاستمرار في العلاج والتخاطب سيتعافي مما اصابه وبالفعل صرت اري صغيري كمن يعاد ¢تسطيبه¢ ويعاد رسم مسطرة الذهن والادراك لديه وصار الاختلاف بينه وبين اقرانه طفيفاً جداً وغير ملحوظ والحمد لله.. وفي صوت تغالبه الدموع راح يقول: لقد تعاملت مع ابني من واقع انني ساحاسب عليه امام الله اذا قصرت في حق علاجه فكنت اجمع بين اكثر من عمل في وقت واحد حتي اغطي نفقات علاجه الباهظة والتي تكلفني 2500 جنيه في الشهر الواحد ورحت وزوجتي وهي موظفة مثلي نتقاسم الاوقات في رعايته دون ان يشغلنا ذلك عن متابعة باقي الابناء.. ولا استطيع انهاء تلك المقابلة معك قبل ان احدثك عما رأيته في احمد قبل ميلاده وقتئذ كانت امه حاملاً فيه ووجدت في المنام من يجلسني ويخبرني بأن المولود القادم ولد وعليك تسميته باحمد.. وظللت محتفظا بهذه الرؤيا حتي رزقني الله به لتفاجأ زوجتي بأنني غيرت اتفاقي معها بان نسميه ¢أنس¢ وعندما علمت بما رأيته قالت ودون اعتراض كعادتها اذن علي بركة الله ¢أحمد¢.......... انتهي اللقاء. المحررة : بروح الاب المسئول استنفرت كل جهودك من اجل استعادة ولدك الذي تعرفه.. ادركت حجم الامانة التي بين يديك لتبذل قصاري العطاء من اجل الحفاظ عليه فبحثت عن عمل واثنين وثلاثة لكي تواجه نفقات العلاج دون ان تتحجج بقلة الدخل والامكانيات مثلما يفعل آباء غيرك وبحثت عن اكفأ الاطباء الذين تميزوا في علاج فرط الحركة وتشتت الانتباه وبروح المسئولية والابوة الحقة سعيتُ ودون تردد في البحث عن طبيب آخر يكمل المسيرة مع ابنك بعد سفر الطبيب الاول وصدق الحبيب المصطفي حين يقول: ¢ عجباً لأمر المؤمن كله له خير ان اصابته سراء شكر وان اصابته ضراء صبر¢.. وأنت ممن جمع بين الحسنيين الشكر والصبر فما كان الله ليخذلك انت وزوجك و التي ما كان لك بحق ان تنجز في علاج ابنك ما انجزته لولا تعاونها التام معك.. تجربتك ايها الاب الرائع اراها تحمل مناشدة لاولئك الآباء المقصرين بحق ابنائهم المرضي: ما زال بوسعكم بذل الكثيرلاولادكم فلا تبخلوا به عليهم.. قبل ان تحاسبوا امام الله. وتعلموا من بطل الرواية العالمية ¢إلي أين تذهب يا بابا؟¢ الذي مضي في طلب السماح من ولديه المعاقين ذهنياً فما اصابهما لم يكن بارادة منهما انما بفعل الوراثة حيث كان جدهما يشرب الخمر حتي الثمالة وهو من اسباب هذا الخلل الذي امتد ليصيب من بعده الاحفاد..!!