** غداً تبدأ سنة جديدة في تاريخنا الهجري.. نطوي بذلك سنة تضاف إلي السنين التي مرت بعد هجرة المصطفي صلي الله عليه وسلم.. تتجدد في شهر المحرم من كل عام ذكري غالية وعزيزة علينا جميعاً وعلي قلوبنا ذكري هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم من مكةالمكرمة إلي المدينةالمنورة.. الهجرة التي غيرت مجري التاريخ كله.. وحملت إلينا العديد والعديد من المعاني والعبر والدروس التي تضئ حياتنا وتعلمنا التخطيط للمستقبل وعدم اليأس والصبر والمثابرة والتوكل علي الله عز وجل في مواجهة الصعاب والعقبات وتحديد الأهداف بكل دقة لتحقيق النجاح والتفوق.. لقد كانت الهجرة الأولي في الإسلام إلي بلاد الحبشة لأن بها ملكاً عادلاً كانت شهرته عند العرب.. الإنصاف والعدل والحق والمساواة والخلق.. وبسبب ذلك أمر الرسول الكريم أصحابه بالهجرة إليها.. وكان من آثار هذه الهجرة الميمونة المباركة أن دخل "النجاشي" في دين الإسلام وأعلن إسلامه.. وعلي الرغم من أن المشركين من قريش أرسلوا وفداً ليكيد لهؤلاء المهاجرين عن "النجاشي" حتي يخرجهم من دياره.. إلا أن "الامبراطور" كان عاقلاً ذكياً.. استدعي شيخ المهاجرين واستفسر منه عن السبب من أجله هاجروا فشرح له كيف انه وأهله كانوا أهل جاهلية يعبدون الأصنام والأوثان.. فأرسل الله سبحانه وتعالي إليهم رسولاً كريماً أميناً منهم نشأ بينهم صادقاً فآمنوا به وصدقوه.. فعدا عليهم المشركون الكارهون للدعوة والحقوا بهم الأدي ففروا يطلبون نصرة الحق والأمن والعدل فاستجاب له الامبراطور وتركهم في الحبشة. وكانت هجرته صلي الله عليه وسلم شخصياً من مكةالمكرمة إلي المدينةالمنورة.. وهجر أصحابه إليها فكانت لها ظروفها الخاصة ومقدماتها الطبيعية لذلك غيرت الهجرة مجري تاريخ الإسلام وحملت في طياتها معاني كثيرة عظيمة منها التضحية والصبر والتوكل وصدق الصحبة والآخاء.. ولم تكن الهجرة بأي حال من الأحوال مقامرة أو مغامرة أو مخاطرة ولكنها مرتبة بعون الله عز وجل وبعنايته محفوظة وميسرة. لقد جاءت الهجرة بعد أن ازداد البغي وتمر القوم علي قتله صلي الله عليه وسلم بعد اجتماعهم في دار الندوة وإلي ذلك يشير القرآن الكريم في قوله تعالي "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".. صدق الله العظيم "الأنفال : 30". الهجرة إلي المدينةالمنورة لم تكن فراراً وإنما كانت انتقالاً من مكان إلي آخر لنشر الدين واشتياق أهل المدينة لقاء الرسول عليه الصلاة والسلام بعد لم يبق بيت في المدينة إلا دخله الإسلام.. لقد كانت المدينةالمنورة هي المدخل الصدق للرسول الكريم أيده الله فيها بنصره وبالمؤمنين وآلف بين قلوبهم ووحد كلمتهم وجعلهم أمناء علي الوحي الكريم يبلغونه للجميع فكانوا أوفياء لدينهم أمناء علي أحكامه قائمين بالعدل والحق الذي ارتضاه الله حكماً بين الناس. ما أحوجنا لدروس وعبر الهجرة في كل أمور حياتنا لتخطي الصعاب والتحديات والعقبات لتحقيق النجاح.. لقد صارت هجرة المصطفي عليه الصلاة والسلام المباركة عنواناً لبداية عام هجري جديد.. نتمني فيه من العلي القدير أن ينصرنا علي عدونا ويمنحنا ثبات قلوبنا ويفرج كربنا إنك أنت الرحمن الرحيم.