لم أكن أود أن أكتب عنوان هذا المقال عن "المرشح المسيحي".. كنت أفضل أن أكتب عن المرشح المصري الوطني بعيداً عن الفرز الديني والطائفي.. لكنه الواقع الأليم الذي يفرض نفسه علي الجميع.. ويجعل من ترشيح الإخوة الأقباط في الانتخابات البرلمانية القادمة ظاهرة تستحق التوقف عندها والنظر فيها.. وقد سبقت إلي ذلك "المصري اليوم" التي خصصت لهذا الموضوع صفحة كاملة في عدد الاثنين الماضي بعنوان "الأقباط.. رحلة الصعود والهبوط داخل البرلمان.. المرشح المسيحي الرهان الأكبر علي المقعد الفردي". وقد حرص دستور 2014 علي تمثيل المسيحيين بشكل ملائم مع فئات أخري لتعديل أوضاع قديمة كانت تظلم تلك الفئات.. وحاول المشرع تصحيح هذه الأوضاع ونصت المادة 244 في باب الأحكام الانتقالية بالدستور علي أن "تعمل الدولة علي تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوي الإعاقة تمثيلاً ملائماً في أول مجلس للنواب ينتخب بعد إقرار هذا الدستور وذلك علي النحو الذي يحدده القانون".. ثم صدر القانون المنظم للانتخابات ونص علي تخصيص كوتة لكل فئة من الفئات التي حددها الدستور ومنها الأقباط.. بحيث يحصلون علي مجموع 24 مقعداً بالقوائم الانتخابية الأربع.. وقد حرصت القوائم التسع المقبولة في السباق الانتخابي علي تخصيص العدد الوارد في القانون للأقباط.. بما في ذلك حزب النور.. خوفاً من أن القائمة التي لن تلتزم بهذه الكوتة سوف تستبعد تلقائياً من الانتخابات. وطبقاً لما نشرته "المصري اليوم" فإن الأقباط يشكلون في القوائم الانتخابية الأربع نسبة 20% من كل قائمة.. بخلاف من ترشح منهم علي المقاعد الفردية.. حيث أعلن عدد كبير من الأقباط السياسيين عن خوض الانتخابات علي مقاعد "الفردي" في دوائرهم.. وعلي هذا فإن عدد الأقباط في برلمان 2015 الذين سينجحون من خلال القوائم فقط دون المعينين والناجحين علي مقاعد الفردي سيكون 24 مقعداً من أصل ..596 أي بنسبة 4% من اجمالي مقاعد البرلمان القادم.. وهي نسبة كما تري مازالت أقل من الطموح الوطني الذي يتطلع إلي مزيد من مشاركة كل أطياف الوطن سياسياً بفاعلية وتأثير.. وبالتالي سوف تكون الأنظار معلقة علي انتخابات المقاعد الفردية لاستكمال هذا الطموح بنجاح المزيد من العناصر القبطية الوطنية المرتبطة بدوائرها. نتمني أن تعود مصر إلي روحها الأصيلة.. إلي الانفتاح والتسامح والتعايش.. حيث الجميع يعملون تحت راية الوطن ومن أجل الوطن.. ويمتزج الأقباط مع إخوانهم المسلمين لتأكيد الوحدة الوطنية والعمل علي نهضة بلدهم.. نتمني أن نستعيد زمن مكرم عبيد وويصا واصف وسينوت حنا وفخري عبدالنور وابراهيم فرج واستيفان باسيلي وتوفيق اندراوس وغيرهم ممن تجاوزوا حدود الطائفة ليتألقوا في سماء الوطن وينتخبهم المسلمون قبل الأقباط. نتمني أن يأتي اليوم الذي يكون فيه التصويت للمرشح البرلماني علي أساس الكفاءة والقدرة والصلاحية بصرف النظر عن الانتماء الطائفي أو الديني أو الجنسي رجل أو امرأة من أجل ارساء قواعد الدولة المدنية الديمقراطية التي يحكمها الدستور والقانون.. ويتساوي فيها كل مواطنيها في الحقوق والواجبات مساواة حقيقية لا لبس فيها ولا غموض. ولكي يحدث ذلك فإن علينا أن نقطع شوطاً طويلاً في طريق التنوير الجاد بعيداً عن الشعارات التي تفرق وتنفر الناس.. وتنخرط في جهد مستمر لنشر ثقافة الاعتدال والتعايش والانفتاح العقلي وقبول الآخر.. ثقافة المواطنة المتساوية للجميع.. وهذا الجهد يجب أن تشارك فيه عن اقتناع الحكومة والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والأزهر والكنيسة لكي يقولوا للناس في كل حي وكل شارع وكل قرية إن مصر لجميع أبنائها.. لا يعلو أحدهم علي الآخر إلا بقدر ما يعطي من علم وعمل.. وأن كل مواطن من حقه أن يعتز بدينه من دون أن يسفه دين الآخر.. ولا يرفض الآخر بسبب دينه.