أراد "بلدياتنا" التعبير عن تقديره للجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً في خدمة حجاج بيت الله فقال "اللي عايز يحج يروح السعودية".. وبقيت المفارقة الساخرة - رغم سقوط آلاف الضحايا - ليست في حقيقة الخدمة إنما في أنه لا حج خارج المملكة التي حباها الله معينا لا ينضب من الشرف بما تحويه من مشاعر مقدسة لا بديل لها فكان عليها أن تتحمل مسئولية جسيمة تتصل بالتوحيد وإعمار الأرض من خلال رعاية مناطق القداسة وزائريها.. إنها قضية تتجاوز في جوهرها الخدمات والتسهيلات الظاهرية للحجيج إلي مناصرة الإيمان في مواجهة الكفر والإلحاد. الحقيقة أن الحج "معسكر تدريب" للنخبة القادرة أو القائدة في مجتمع المسلمين لاستعادة اللياقة البدنية والنفسية في طاعة الله وتطهير الروح لإصلاح الدنيا والتأهل ليوم الحشر.. تنتصر فيه لذة الإيمان والتسليم بأمر الله علي كل المشاق.. أقول النخبة لأن حجم حجاج بيت الله الحرام وفقا للأعداد الرسمية يقل عن 5% من جموع المسلمين في كافة بقاع الأرض قياسا علي جيل كامل يمتد ل20 عاما وليس سنة واحدة.. ثم أن الله عز وجل شرع الحج لمن استطاع إليه سبيلا.. والاستطاعة عادة رفيقة الفاعلية والقدرة والقيادة في أي مجتمع قد تضيق حدوده إلي مستوي الأسرة أو تتسع لتشمل دولة بأكملها أو العالم بأسره. وتمنينا أن نداء إحياء الضمائر الذي انطلق من مؤتمر الإنسانية علي جبل عرفات يكون قد سري في القلوب والوجدان فالضمير هو الأداة العقلية التي توجه سلوك الإنسان وتجعله يميز بين الصواب والخطأ.. الضمير يرتبط بالواجب والالتزام بالمسئولية.. من منطلق هذه المسئولية أجد أنه لزاما علينا المكاشفة بالحقائق عملا بقول الفاروق "رحم الله امرء أهدي إليَّ عيوبي".. والبداية هي ضرورة إزالة الخلط - المتعمد أحيانا - بين مفاهيم عدة كأن يعني انتقاد بعض أداء السلطات السعودية في تنظيم الحج التقليل من شأن الجهود التي تؤدي.. أو أن تكون بابا لتدويل مرفوض كلية للمشاعر وخدمتها.. فالثقة أكيدة في جدية الدولة السعودية وقدرتها علي تحمل المسئولية ومجابهة التوسعات وزيادة أعداد الحجيج والاحتياجات المتجددة والأدوات التي فرضتها المدنية الحديثة لإنسان انتقل من السفر علي ظهر الأبل إلي ضرورة التواصل عبر الانترنت.. وإن كانت بعض الاخطاء قد أعادت الحجيج هذا العام إلي عصر السفر سيراً علي الأقدام... وللحديث بقية.