لم أفاجأ بإعلان الإعلامي الكبير توفيق عكاشة التفكير في اعتزال العمل الإعلامي والسياسي، فعكاشة قد تعرض في الأيام الأخيرة لمحاولات عديدة لتشويه سمعته بل وتقييد حريته من أجل دفعه لاتخاذ القرار الذي يفكر فيه، وإجباره على التوارى بعدما أزعجت صراحته فئات عديدة من الانتهازيين الذين يركبون الموجة ولا تهمهم مصلحة الوطن. لكني أيضا لن أفاجأ بتغيير توفيق عكاشة لقراره، وعودته لممارسة عمله الإعلامي والسياسي في خدمة الوطن، ذلك أن عكاشة لا يملك اتخاذ قرار الاعتزال، فالجماهير التي ساندته في محنته الأخيرة، هي وحدها من تملك القرار، وما أحسبه إلا مستجيبا لندائها بالعودة إلى "الفراعين" والإستمرار في خدمة مصر، والتعبير عن الإرادة الشعبية، وآمال الشعب وطموحاته. ومن الطبيعي أن يختلف الناس حول إعلامي مشهور مثل توفيق عكاشة ، وأن تكثر الآراء وتختلف حول تصريحاته ومواقفه، إلا أن أعتى أعدائه لا يمكنه أن ينكر أن الرجل يعد بمفرده مدرسة إعلامية حققت جماهيرية بين أوساط الشعب المصري على اختلاف فئاته وثقافاته، وهذه الجماهيرية لم تنبع عن فراغ، وإنما نبعت – على حد تعبير الصحفي الكبير الأستاذ ممتاز القط – من أن أحدا لا يختلف حول وطنية عكاشة وإنتمائه لتراب الوطن، بمواقفه كمصري اصيل التي سيسجلها له التاريخ. لقد تعرض توفيق عكاشة منذ انتخب نائبا في مجلس الشعب عام 2010م عن دائرة نبروة لحملة عداء ضخمة ناجمة عن تصديه لفكر ومؤامرات جماعة الأخوان وحشده للناس في الشارع ضدهم، ولذلك حورب ووضع أسمه على قوائم الاغتيالات، ووصل الأمر إلى منعه من الظهور في القنوات الفضائية المصرية بموجب قرار قضائي، وقد طعن في هذا القرار، وعاد إلى الظهور على الشاشات الفضائية مرة أخرى في منتصف شهر مارس من عام 2012 م، كما أغلقت قناة الفراعين التي يديرها في 9 أغسطس من عام 2012م، وكان حجة إغلاقها تجاوزاتها وتجاوز إعلامييها ورئيس إدارتها الإعلامي توفيق عكاشة تجاه الرئيس المعزول محمد مرسي أبان فترة رئاسته للدولة. إن مواقف توفيق عكاشة الوطنية كانت سببا في محاربة الانتهازيين له لأنه سعى إلى إزاحة الفاسدين والمتاجرين بالشعب والدين من فوق صدر الوطن ، إذ طالب بحل الاحزاب السياسية فيما عدا حزب الاحرار والوفد والتجمع والمصري العربى الاشتراكى، مؤكدا أن الاحزاب السياسية هي قلب العملية السياسية وعقلهاعندما تكون إفرازا طبيعيا عبر تنظيمات شعبية حقيقية تمثل رئة يتنفس منها الشعب وطريقا معبدا نحو الديمقراطية التي يستهدفها النظام السياسي في الوطن.. وعندما تفكر بوطنية وتتحرك في الشارع من منطلقات أن لا قيمة لها ولا وجود دون أن ينبني وجودها ورؤاها علي أن "مصر أولا". وأثبتت الأيام أهميته كإعلامي يستشرف أفاق الأحداث، حيث توقع وحذر قبل شهر رمضان المبارك الماضي من تعرض مصر وبعض الدول العربية لهجمات إرهابية ولم تمر أيام وقام الإرهابيون في سيناء بهجمات انتحارية كما جرت تفجيرات انتحارية بالكويت والسعودية، وقبل أيام من اغتيال النائب العام هشام بركات حذر من أن هناك عمليات إرهابية جار العمل لتنفيذها تستهدف قيادات حكومية كبيرة، وتحققت كافة توقعاته لأنها مبنية على دراسات لأرض الواقع وليس مجرد افتراضات. إن توفيق عكاشة سواء رضي الناس عنه أو لم يرضوا، أحد أهم العلامات الإعلامية التي أضاءت سماء الفضائيات في العقد الأول من الألفية الجديدة، وله بصماته واضحة في مدرسة إعلامية ثبت ريادتها عبر قناة " الفراعين"، مدرسة سيذكرها تاريخ الإعلام .